الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسأذكره بمشيئة الله تعالى، فأقول:[ص 332]
124- دولة سليمان بن الحكم المستنصر بن عبد الرّحمن النّاصر
قد قدمنا ما كان «1» بينه وبين هشام من نوب الأيام، ثم لما كانت له هذه الكرة، ودانت له قرطبة هذه المرة، وهي ولايته الثانية، وإيالته الدانية، تلقب بالمستعين، وتغلب بعد ما غلب بعد حين، وكانت ولايته هذه منتصف شوال سنة ثلاث وأربع مائة، وبايعه الناس بيعة عنوة لا عناية، وخافوا تبعة السيف، تصريحا لا كناية، وكان أديبا خطيبا شاعرا، فاتكا باتكا داعرا، خرج إليه أهل قرطبة للسلام عليه، فلما مثلوا لديه، ابتدأ مميلا، وأنشد متمثلا:«2»
[الطويل]
إذا ما رأوني طالعا من ثنية
…
يقولون من هذا وقد عرفوني
يقولون لي أهلا وسهلا ومرحبا
…
ولو ظفروا بي ساعة قتلوني
ثم تمت له المبايعة، وانقادت له أهل قرطبة بأنفس طائعة، ونخوة أحماها ما كانت بالكف قانعة، وبالصغار تحت غاء الذل مصانعة.
وقد حكى صاحب بلغة الرفاء أنه تلقب أولا بالمستعين، ثم تلقب بالظافر بحول الله، وأنشد قول هارون الرشيد رحمه الله:
[الكامل]
ملك الثلاث الآنسات عناني
…
وحللن من قلبي بكل مكان
ما لي تطاوعني البرية كلها
…
وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى
…
وبه قوين أعز من سلطاني
فقال سليمان المستعين:
عجبا يهاب الليث حدّ سنان
…
وأهاب لحظ فواتر الأجفان
وأقارع الأهوال لا متهيبا
…
منها سوى الإعراض والهجران
وتملكت نفسي ثلاث كالدّمى
…
زهر الوجوه نواعم الأبدان
ككواكب الظلماء لحن لناظر
…
من فوق أغصان على كثبان
هذي الهلال وتلك بنت المشتري
…
حسنا وهذي أخت غصن البان [ص 333]
حاكمت فيهن السلوّ إلى الصبى
…
فقضى لسلطان على سلطاني
فأبحن من قلبي الحمى وثنينني
…
عن عز ملكي كالأسير العاني
لا تعذلوا ملكا تذلل في الهوى
…
ذلّ الهوى عز وملك ثان
إن لم أطع فيهن سلطان الهوى
…
كلفا بهنّ فلست من مروان
قلت: وخلا المستعين هذا يوما بلذاته، واقتصر على لداته، وقد برز الجو في ممسك طرازه قوس قزح، والنور قد قلد جنده من لؤلؤ الطل سبح، وقد مد الغمام ستارة طرزت رفرفها البروق، وطرفت جانبي يومها كؤوس الصبوح
والغبوق، ثم وافى الليل فصدم جيشه كتائب تلك السحائب فمزقها، ولطم بحره أفواج تلك الأمواج ففرقها «1» ، وتوقدت لوامع النجوم للاقتباس، ولاح الهلال كأنه سطر طوق في جيد زرقاء اللباس، فقال:
[الكامل]
عرّى النهار الليل ملبس دجنة
…
وغزا غمائمه بجيش مقبل
عجبا له من سيف يوم مذهب
…
لولا الظلام يدوسه لم ينجل
أو ما ترى زهر النجوم كأنّها
…
هي والهلال أسنّة في قسطل
قال ابن الأثير ما ملخصه: إن خيران «2» العامري لم يكن راضيا بولاية سليمان بن الحكم، لأنه كان من أصحاب هشام المؤيد، فلما ملك انهزم، وكاتب له كاتبه، ثم أتى شرق الأندلس، فكثر به جمعه وقاتل البربر، وملك المرية «3» ، وتراسل هو وعلي بن حمود العلوي صاحب سبتة «4» ، ووافقه على أن المؤيد كان قد عهد إليه، ودعا له بولاية العهد، فعبر علي بن حمود إليه، وأتى
مالقة «1» فسلمها إليه عامر بن فتوح، ثم سار خيران إليه، وتلاقيا بالمثلث سنة ست وأربعمائة، وبايعوا علي بن حمود على طاعة المؤيد هشام الأموي، فلما بلغوا غرناطة «2» ، وافقهم أميرها وساروا إلى قرطبة، فخرج [ص 334] إليهم سليمان بالبربر، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم سليمان فأخذ أسيرا، فحمل إلى ابن حمود، ودخل ابن حمود قرطبة في المحرم سنة سبع وأربع مائة، وداروا القصور طمعا أن يكون بها المؤيد فلم يجدوه، ورأوا قبرا منبوشا وجدوا به جثة ميت، قالوا إنه المؤيد، ولم يكن به، إنما قالوه خوفا من علي بن حمود، لأنه طمع بالاستقلال، فأخذ ابن حمود سليمان بن الحكم فقتله، واستولى ابن حمود على قرطبة، وبدّلت الخلافة الأموية بالخلافة العلوية «3» ، على ما ذكر في مكانه، ثم أنّه تنكر لخيران، فتنكر له خيران، وأظهر عليه الخلاف، وأرسل يسأل عن بني أمية، فدلّ على عبد الرحمن بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر، وكان قد خرج إلى حبّان، وكان أصلح بني أمية، فبايعه خيران ولقبه المرتضى، وراسل شرفاء قرطبة «4» والثغر الأعلى وشاطبة «5» وبلنسية وطرطوشة «6» ،