الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤنس»
، وكان مؤنس قد جاء ليصرفه المقتدر في مهماته، غير أنه من كان يحسبه مؤنسا، أغروه به، وقالوا له: إنما جاء ليقتلك، ولكن غلب عليه عبيده، وكانوا قد غضوا بمؤنس، وقالوا له إما أن تخرج لقتاله، وإلا أخذناك وسلمناك إليه، فخرج وهو مكره، وقد كانت أمه تمنعه، فلما لم ير بدّا من الخروج ودع أمه، وتمثل بقول ابن الرومي:«2»
[الكامل]
طامن حشاك فانّ دهرك موقع
…
بك ما تحبّ من الأمور وتكره
وإذا حذرت من الأمور مقدرا
…
فهربت منه فنحوه تتوجه
فلما خرج إليه جعل أصحابه يتسللون منه، حتى بقي وحده، فقصده عبد أسود، فضربه على عاتقه، فصاح: ما هذا ويلك، ثم تعاوده حتى قتله بالضرب، ثم أمسك مؤنس قاتله وقتله، إذ لم يكن غرض مؤنس قتله، وإنما غرضه أن يكون صاحب أمره، وإنما المقادير تنفذ أحبّ العبد أم كره. «3»
ثم:
74- دولة القاهر بالله
أبي المنصور محمد «4» بن أحمد المعتضد، كان [لا] يستقل لسانه من
عوج، ولا زمانه من هوج، ولم يكن له يوم بويع ما يلبس، حتى ألبسه جعفر بن ورقاء «1» ثيابه، وقدمه للمبايعة، وتقدم، وطفق الناس في المتابعة، وكان أحط رتبة من إخوته [ص 165] وأرفع رتبة في نخوته، لولا طيش لا ترفع معه منار، وتهافت أوقع به من الفراش على النار، قدام مدة خلافته وأيامه سنون، وأحكامه جنون، وتصديقه ظنون، وتحقيقه منون، لا يقف مع تدبير سوس، ولا يتوقف في تدمير نفوس، وكان يتطاول إلى فعل آبائه بهمة خانها الرأى الثاقب، وعزمة أنها لا تفكر بالعواقب، فعاجل أقواما ما كان لو طاولهم، وأكمن لهم حتى استأصلهم، لكنه كان خائر العزيمة، خائف الفوات على أول ما يظفر به من الغنيمة، يورطه عظيم تهوره، وتسلطه على ما يريد سقيم تصوره، فأدى به تفريطه إلى أنه خلع وسمل، ثم الحق بسخط الراضي وشمل، ثم عطف عليه فتعرض لأمر اطّرح به وأهمل، وكان في داره ماله رزق يقيته، ولا رزء يميته، فقام يستعطي في المسجد الجامع، حتى أعطي ما لو أنه الحياة لما أمسكت بها الأرماق، أو الدمع لما بلّت به الآماق.
ثم: