الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
73- وأمّا خروج عبد الله بن المعتزّ عليه
وكان سببه «1» أنه لما ولي المقتدر، استصغر، فجاء محمد بن داود الوزير فأخرجه من داره إلى دار إبراهيم الماذرائي، ووجهوا إلى القاضي محمد بن يوسف، يوم السبت العشرين من ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين، وحضر جماعة العلماء والقواد، فخلعوا المقتدر وبايعوا ابن المعتز إلا بعضهم، ولقب بالمنتصف بالله، المنتصف بالله، فلما أذنت المغرب ضربت الدبادب «2» له، وضربت من قصر المقتدر، واشتغل الوزير بكتب الكتب إلى النواحي، وكاد الأمر أن يتم لو أراده الله، فنقض العزائم وأبطل التدبير، لأن سوسن الحاجب كان قد عاقد ابن المعتز على أن يكون حاجبه ويمكنه من المقتدر، فبلغه في تلك الليلة أن ابن المعتز استخلص يمنا الكيفوني فجاء به، فانتقض سوسن عليه، وأحكم الأمر للمقتدر، فلما أصبح ابن المعتز خرج قاصدا قصر المقتدر، فلما بلغ الحسنى خرج عليه العبيد والرجالة فمنعوهم، وأعانهم العامة، فرجع ابن المعتز إلى داره، وعلم من أين أصيب، ثم أن المقتدر جهز جيشا غريبا في الخيل والرجال، فأحاطوا [ص 163] بدار ابن المعتز، ففر من كان فيها، وبقي ابن المعتز وحده، فتسلل هو ووزيره، وثبت الحسين بن حمدان «3» ، فقاتلهم إلى الظهر، فأصابه سهم، ففر إلى
داره، وأخذ منها ما يريد، ثم خرج إلى سر من رأى، وأما ابن المعتز فإنه هرب، وأتى دار ابن الجصاص الجوهري، وكان ممن بايعه، فعرف خادم، فنمّ به، فأخذ وألقي في صهريج ثلج فمات به، وهو ذو الأدب الغض والتشبيه المصيب، ومن بدائعه قوله:«1»
[الطويل]
وجردت من أعمال كلّ مرهف إذا ما
…
انتضته الكفّ كاد يسيل
ترى فوق متنيه الفرند كأنما
…
تنفس فيه القين وهو صقيل
وقوله: «2»
[البسيط]
ظبي مخلّى من الأحزان ودعني
…
ما يعلم اللهف من حزن ومن قلق
كأنه وكأنّ الكأس في يده
…
هلال أول شهر غاب في شفق
وقوله: «3»
[المنسرح]
قد انقضت دولة الصيام وقد
…
بشّر سقم الهلال بالعيد
يتلو الثريا كفاغر شره
…
يفتح فاه لأكل عنقود
وقوله: «1»
[المتقارب]
إذا ما طعنا بطون الدنا
…
ن سال دم الكرم منهنّ سورا
كأنّ خراطيمها في الزجاج
…
خراطيم نحل ينقّين نورا
وقوله: «2»
[الطويل]
ولما تلاقينا وهزت رماحنا
…
وجرّد منها كلّ أبيض باتر
رأوا معشرا لا يبصر الموت غيرهم
…
فما برحوا إلا برجم الحوافر
ولما بويع ابن المعتز، دخل على أبي جعفر الطبري، فقال له: كيف تركت الناس؟ قال: بويع عبد الله بن المعتز، قال: فمن رشح للوزارة؟ فقال: محمد بن داود الجراح [ص 164]، قال: فمن ذكر للقضاء؟ قال: الحسن بن المثنى، فأطرق قليلا ثم قال: هذا أمر لا يتم ولا ينتظم، فقيل له: وكيف؟ قال: لأن كل واحد من هؤلاء متقدم في معناه على أبناء جنسه، والزمان مدبر، والدنيا مولية، وكان هذا على ما قال، ولم يكن في ابن المعتزما يعاب به سوى نقص حظه، وكمال أدبه.
وكان سبب قتل المقتدر بموضع يعرف بالتل، فجعل يوجه نحو باب الشماسية «3» أن يأتيه جنده منها والناس في ذلك يتسللون نحو