الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد تغيرت حالته، واسترخت يداه ورجلاه، وانحلت قوته، وسقط إلى الأرض، فظننتها غشية لحقته، فحللت ثوبه فوجدته عليه إمارات الموت، فتماسكت وقلت لجارية عندي: ليس هذا وقت إظهار الجزع والبكاء، فإن صحت قتلتك، فأحضرت الوزير فأعلمته الحال، فشرعوا في البيعة لولي العهد، وكانت أيامه كثيرة الخير، واسعة الرزق، وعمرت محال بغداد، وتوفي في [يوم السبت خامس عشر المحرم سنة سبع وثمانين وأربع مائة]«1»
ثم:
82- دولة المستظهر بالله
أبي العباس أحمد «2» بن عبد الله المقتدي، ولم يكن مثل أبيه في تأبّيه، بل كانت له يقظة نبيه، وكان مقبلا على لهوه، مشتملا على زهوه، يميل إلى الخمر، ويميل به سكرا، ويميد بمعطفه، فيسجد ثملا لا شكرا، لا يعرف راحة إلا موصولة براح، ولا اقتداح مسرة إلا بأقداح، فلا يعطل حبب الكؤوس، ولا حبب عقد العجوز العروس، أوقاته كلها طرب وانتشاء، وحرب في كؤوس تدور بها أيدي بدور بكرة وعشاء، وكان ذا حظ من الأدب، وحضّ إليه وندب، وباسمه ألف أبو محمد القاسم بن محمد الحريري كتاب المقامات، بأمر وزيره
شرف الدين أبو شروان بن خالد، وكان ابن جهور يقول: إن الذي أشار عليه بها في قوله، فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم، إنه المستظهر، قال ابن الشريشي: وكان للمستظهر رعية في الطلب، وعناية بأهل العلم، قال: وحدث ابن جهور أنه دخل بغداد في أيامه، وبها ألف وخمس مائة رجل حامل علم، وكلهم قد أثبت أسماءهم السلطان في الديوان، وأجرى على كل واحد من المال بقدر حظه من العلم، قال: وكان ابن جهور يحدث أن الحريري ألف المقامات كلها على الركاب، وذلك أن المستظهر لما أمره بصنعها، خرج كالحافظ على العمال، وكان يخرج في الأبردين، يتشهى [ص 174] في ضفتي دجلة والفرات، يصقل خاطره بنظر الخضرة والمياه، فلم ينقض فصل العمل إلا وقد اجتمع له مائتا مقامة، فخلص منها خمسين وأتلف الباقي، وصدر الكتاب ورفعه، فبلغ عنده أعلا المراتب، انتهى كلامه.
قلت: وفي أيام المستظهر أخذت الفرنج بيت المقدس وأكثر بلاد الشام، وظهر التهتك بالقبائح وقلة الاحتشام، وفشا أمر الربا وشرب الخمر والزنا، فكثرت الملاهي، وقلت النواهي، وعظمت تلك الدواهي، فعجل لهم العقاب، وعذبوا بأخذ البلاد منهم، وهو أخف العذاب، وكان المستظهر ذا نادرة، كتب إليه الأبيوردي «1» قصة، وكتب على رأسها: الخادم المعاوي، فكشط الميم، فصارت العاوي.
ثم: