الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ابنه:
43- الفائز بنصر الله
أبو القاسم عيسى «1» وكان لا يخب إلى غاية قلوصا ولا عنسا «2» ، لا يخرج به ولا يوسى، ولا يزجر بطير سعودا ولا نحوسا، وبويع بعد أبيه، فطلب الوزير عباس بن تميم قاتله وسن شفاره، وقصد مقاتله فهرب قدّامه، فقتله الفرنج وطلب النجاة، فلم ينج، واستوزر الفائز أبا الغارات طلائع بن رزيّك «3» ، وخاطبه بالتمليك، وسمّاه الملك الصالح، وأنزله منه بمكانة لا يؤثر فيها قدح
القادح [ص 66] ، وكان له اسم الملك، وهو المالك الحائز، وله لا لأمرة الأمر الجائز، والغنى والغناء، وسواه العائز، وكان الفائز معه كالظل كيف ما مشى يتبعه، وكالجليس مهما قال يسمعه، أطوع له من الشراك، وأسرع من فيه الظبى في الأشراك، وكان ابن رزيك من أجل وزراء تلك الدولة، وأسبغهم إنعاما، لا يقصّر طوله، وكان عارفا بالأدب، مكرما لأهله، منعما عليهم بفائض سجله، وله شعر لا يؤخر جواد قريحته، ولا يشم دخان الند «1» إلا من ريحته، ولا تتفجر المعاني إلا من فجر صبيحته، ولا تصاب المفاصل إلا بصقال صفيحته «2» ، ووفد في زمانه الفقيه عمارة اليمني «3» ، ونوّله ما يرتجيه من غاية الأماني، وفيه يقول:
[الطويل]
دعوا كل برق شمتم غير بارق
…
يلوح على الفسطاط بارق نشره
وزوروا المقام الصالحي فكلّ من
…
على الأرض ينسى ذكره عند ذكره
ولا تجعلوا مقصودكم طلب الغنى
…
فتحنو على مجد المقام وفخره
ولكن سلوا منه العلى تظفروا بها
…
فكلّ امرئ يرجى على قدر قدره
وأراده الصالح على الدخول في مذهبهم للدخول، وراوده من يلزمه به أن يقول، وكتب إليه:
[الكامل]
قل للفقيه عمارة يا خير من
…
أضحى يؤلّف خطبة وخطابا
أقبل إلينا لا تحد عن هدينا
…
قل حطّة وادخل علينا البابا «1»
تجد الأئمّة شافعين ولا تجد
…
إلا لدينا سنّة وكتابا
وعليّ أن يعلو محلّك في الورى
…
وإذا شفعت إليّ كنت مجابا
وتعجّل الآلاف وهي ثلاثة
…
ذهب وحقّك لا تعدّ ثوابا
وكان الفقيه عمارة شافعي المذهب، لا يحول عنه ولا يذهب، فكتب إليه ما يدلّ على حسن معتقده، ونفض ذلك الزخرف من يده:
[الكامل]
يا خير أملاك الزمان نصابا
…
حاشاك من هذا الخطاب خطابا [ص 67]
لكن إذا ما أخربت علماؤكم
…
معمور معتقدي فصار خرابا
فاشدد يديك على قديم مودّتي
…
وامنن عليّ وسدّ هذا البابا
فسكت عنه لسان إكراهه، وسكن مثل هذا القول وأشباهه، وبقي عمارة أدنى جليس إلى رتبهم، وأنيس على مباينته لمذهبهم، وأتى يوما إلى حضرة الصالح بن رزيّك فأسدى إليه صنيعا قبّل به يده، ثم خرج فرأى ممّن يؤمله من قبّل ومجّده، فقال: