الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرجز]
أتاك مروان شبيه مروان
…
يجر جيشا غضبا للرحمن
بتغلب الغلبا وقيس عيلان
ووهن أمر إبراهيم واستخفى، ثم أخذ له الأمان، وظهر فكان مع مروان في طاعته، ولم يزل حيا حتى قتله عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس «1» ، مع من قتل من بني أمية.
وكانت أيام إبراهيم أربعة أشهر، ويقال ثلاثة أشهر، وبعضهم يقول: أربعين يوما. ولما دخل مروان دمشق، طلب عبد العزيز بن الحجاج ويزيد بن خالد القسري، فظفر بهما فقتلهما، بعثمان والحكم، وصلبهما على باب الجابية «2» ، أو باب الفراديس «3» .
112- دولة مروان بن محمّد
أبي عبد الملك «4» المنبوز بالجعدي، وبالحمار، أما قولهم الجعدي، فنسبة إلى
الجعد بن الدرهم، لأنه كان على مثل رأيه المبهم، وأما قولهم الحمار، فقيل:
لشدة في الحرب، تشبيها بحمار الوحش، إذ كان أحمى حام لسربه، ومحام عن أجمة [ص 301] الغرايب له في شربه.
وكان مروان بن محمد رجل الدهر، إلا أنه خانه، وبطل الكتيبة، إلا أن الحظ ما أعانه، كان بالجزيرة ورعى كلأها، وهو بأطراف الأسنة وبيل وحمى ملأها، وما لمدارج الرياح إليها سبيل، ثم كان بأرمينية يسد ثغرها، وهو يهتمه ويشد أمرها وهو يهدمه، ثم آب إلى دمشق وفي ظنه لمّ شعثها، ويرمّ منتكثها، حتى تفرقت بها الآراء المجتمعة، وتمزقت الأمراء في طلب الدعة، وقوي هيج الرعايا للرعاع، وموج الثعالب الحقيرة لأكل السباع.
وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكره شكره وقال: هو فحل القوم، وإنما غلبناه بالجد لا باليد. وكان عبد الملك بن صالح رجل بني العباس، أمه أم ولد، كانت لمروان بن محمد، ثم صارت إلى صالح بن علي، فولدت له عبد الملك، ويقال:
إنها حملت به من مروان وولدته على فراش صالح، فلما كان من توهم الرشيد منه ما كان، قال له يوما كالمعير له: أنت لمروان، لست لصالح، فقال: لا أبالي لأي الفحلين كنت، فلما غاب عنه قال الرشيد: لعمري إنه لا يبالي لأيهما كان.
وقدم مروان دمشق، وقد تضرمت فتنها وتضررت بحمل الحقود إحنها، فهدى به اضطرابها، وبالغت به بنو أمية وبدا اقترابها، ولكن بعد دماء طلّها، ودأماء «1» ساوى بالقتلى مطلها، فلما ظن أن السيف له قد دوخ، والمغير عليه قد نوّخ، واطمأنّ به وساده القلق، وعفي بالمسالمة عن جفنه الأرق، ثارت عليه من خراسان تلك الثائرة، وانقلبت عليه تلك الدائرة، وأظلت عليه الرايات العباسية، ليالي تطلع بدورا، ولمم شبيبة تتلألأ بها الوجوه نورا، فتراكم بسواد الشعار العباسي السيل، وأدبر بياض العلم المرواني في النهار، لإقبال الليل.
قال البلاذري: أم مروان كردية، أخذها أبوه من عسكر [ص 302] ابن الأشتر، وكان مروان بخيلا، وبويع لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومائة. وكان أبيض أحمر أزرق، أهدل الشفة، لا يخضب، ولم يكن بالذاهب طولا، وكنت إذا استدبرته ظننت أن على كتفيه رجلين جالسين، واسع الصدر. وكان يقول: اللهم لا تبلني بطلب ما لم تجعل لي فيه رزقا، وكان يقول في خطبته: اللهم اعلم بولينا وعدونا منا، فكن لنا وليا وحافظا، وكان غيورا جدا، وجد كتابا إلى جارية له من أمها، فقال: من أدخل هذا الكتاب، فقال خصي له: أنا، رحمت أمها لبكائها، فأخذت كتابها، فقطع يد الخصي.
وعرض الجند، فشكوا في حلية رجل فأسقطه، فقال: هلا بعين الجر خليتني، لما توافى القوم في الخندق فأجازه، وهو أول من حلى الجند، وفيه يقول الشاعر:
[الرجز]
يا أيها السائل عن مروانا
…
دونك مروان بعسقلانا «2»
يجيد ضرب القوم والعطانا
…
حتى ترى قتلاهم ألوانا
قال البلاذري: لما سار مروان بجند أهل الجزيرة، وتفرق أصحاب بشر ومسرور من غير قتال، وجه إبراهيم المخلوع سليمان بن هشام «1» ، فنزل بعين الجر في خلق كثير، فنزل مروان بدير الأبرش، في زهاء سبعين ألفا، وبينهما ثلاثة أميال، وكتب مروان كتابا منه إلى أهل فلسطين:«إني نزلت بدير الأبرش، وسليمان بعين الجر، وطالعت عسكره بنفسي، فرأيت جمعا كثيفا، وأنا متوجه إليكم في طريق كذا» ، ودفع الكتاب إلى رجل وقال له: تعرض لهم، ففعل، فأخذ وأتي به سليمان، فلما قرأ الكتاب قال: أنا أبو أيوب، هرب مروان، والله لأحولن بينه وبين ذلك، وقال مروان لابنه: إني مرتحل غدوة، فان ارتحل سليمان من هذا المنزل، فانزله وخلفه في غيضة هناك، كامنا في ألفين، وأصبح مروان يوم الأربعاء قعدا متوجها في طريق العرب، وخرج سليمان زعم يبادره إلى الطريق التي ذكر مروان في كتابه [ص 303] أنه يسلكها، وأقبل ابن مروان فنزل معسكره، وسرح إلى أبيه رسولا يعلمه ذلك، فلما أعلمه الرسول، رجع وقد سار ستة أميال، فصار في عسكر سليمان، فقال سليمان: مكر بنا مروان، وإنما فعل مروان ذلك، لأن عسكر سليمان أخصب وأحصن وأكثر مياها، فقاتلهم مروان فظفر بهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، يقال: عشرة آلاف، ومضى
سليمان منهزما إلى دمشق، فأخذ مالها وقسمه، ثم كان ما كان من انتهاء الأمر من يد المخلوع إبراهيم إلى مروان، وكان دخوله دمشق من باب الجابية، وأتاه إبراهيم وخلع نفسه، فأمّنه، وجاء سليمان بن هشام فأمّنه، ثم حمل مروان ما كان بدمشق من الأموال، وتحوّل إلى الجزيرة، فنزل حران، وأقام بها ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم بلغه أن ثابت بن نعيم عامله على فلسطين قد خلع، فسار يريده.
قالوا: وكان «1» سبب خلع ثابت بن نعيم، أن عطية بن الأسود «2» قال:
[البسيط]
يا ثابت بن نعيم دعوة جمعت
…
عقّت أباها وعقّت أمها اليمن
أتارك أنت مال الله تأكله
…
عير الجزيرة والأشراف تمتهن
أوقد على مضر نارا يمانية
…
تشفي العليل وتحيا بعدها السنن
قلت: وأقبل ثابت في زهاء خمسين ألف من لخم وجذام وغيرهم، فحضروا طبرية مدينة الأردن «3» ، وبها الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك عامل مروان، فسار إليه أبو الورد، فلما التقوا خرج إليهم الوليد عامل طبرية في أهل الأردن، فهزموا ثابتا وقتلوا أصحابه، وتفرق من بقي منهم عنه، ومضى ثابت إلى فلسطين وأتبعه الورد، ولحق ثابت بجبال الشراة «4» ، فظفرت به خيل
لمروان، قد كان وجهها مادة لأبي الورد، فأخذوه وأتوا به مروان، وهو بدير أيوب، فقتله، وأفلت ابنه رفاعة.
ثم كانت من أحوال مروان المتناقضة وأموره المتعارضة، وخلافته المحلولة المعاقد، ومملكته المتجاذبة بأيدي الثواير، وجنوده المختلفة الآراء، وبنوده [ص 304] المنكسة بالخذلان ما كان، حتى ابتزت منه الدولة العباسية الخلافة قهرا بالسيف.
وحكى الحسن بن زيد بفرغانة «1» ، قال: بلغني أن مروان بن محمد، مر على راهب في صومعة، وهو هارب من جيش أبي مسلم، فأشرف عليه الراهب، فسلم عليه فقال له: يا راهب، هل عندك علم بالزمان؟ قال: نعم، عندي من تلونه ألوان، قال: هل تبلغ الدنيا من الحر أن تجعله مملوكا؟ قال: نعم، قال:
كيف؟ قال: هل تحبها؟ قال: نعم، قال: فأنت مملوك لها، قال: فكيف السبيل إلى العتق؟ قال: تبغضها والتخلي منها، قال:
هذا ما لا يكون، قال الراهب: أما تخليها منك فسيكون، فبادر بالهرب منها قبل أن تبادرك، قال: هل تعرفني؟ قال: نعم أنت ملك العرب مروان، تقتل في بلاد السودان، وتدفن بلا أكفان، ولولا أن الموت في طلبك لدللتك على موضع هربك.
قلت: ولمروان شعر، يروى منه:«2»
[الطويل]
وما زال يدعوني إلى الصبر ما أرى
…
فآبى ويدنيني الذي لك في صدري
سأبكيك لا مستبقيا فيض عبرة
…
ولا طالبا بالصبر عاقبة الصبر
ويقال: إن نقش خاتمه كان: (رضيت بالله العظيم) ، وقتل مروان ببوصير «1» ، وصار آخره إلى ذلك المصير على ما هو ملمح في ترجمة أبي العباس السفاح «2» وملمع بخلوق دمه درع ذلك الصباح، وبهزيمة مروان على الزاب «3» زال عن جمهور المعمور ميسم بني مروان، وطالما افترّ بدولتهم مبسم الزمان، إلا أنها الأيام لا يطمئن إلى خداعها، ولا يوثق بعواري متاعها، لا تبقي أحدا ولا تثبت على حالة أبدا، ومهما نوّلت في اليوم، سلبت غدا، فسبحان الباقي بلا زوال.
ولما قتل مروان قصد عامر بن إسماعيل قاتله الكنيسة التي فيها حرم مروان، وكان قد وكل بهن مروان خادما له وأمره أن يقتلهن بعده، فأخذه عامر، وأخذ نساء مروان وبناته فسيرهن إلى صالح بن علي، فلما دخلن عليه تكلمت ابنة مروان الكبرى فقالت: يا عم أمير المؤمنين [ص 305] ، حفظ الله من أمرك ما تحب أن تحفظ، نحن بناتك، وبنات أخيك وابن عمك، فليسعنا من عفوكم ما وسعكم من جورنا، قال: إذا لا أستبقينّ منكن واحدة، ألم يقتل أبوك ابن أخي إبراهيم الأشتر، ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن الحسين، وصلبه في الكوفة، ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد وصلبه بخراسان، ألم يقتل