الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما أنشدته قال: صدق والله، عليّ به، فجيء به في الليل، فكسرت أقياده وأخرج حتى أدخل عليه، فأنشده:
[الخفيف]
مرحبا مرحبا بخير إمام
…
صيغ من جوهر الخلافة نحتا
يا شبيه المهدي بذلا وجودا
…
وشبيه المنصور هديا وسمتا
ثم كان في صحبته حتى أخذ من السفين، وأودع أحشاء الأرض منه الدفين.
وذكر عمر بن شبة أن أحمد بن محمد الهاشمي حدثه أن لبابة بنت علي بن المهدي قالت حين قتل الأمين وكانت تحته ولم يكن دخل بها ولا ضمها فراش حظي فيه بقربها ووضعت له سجوف نقبها:
[البسيط]
أبكيك لا للنعيم والغرس
…
بل للمعالي والرمح والفرس
أبكي على هالك فجعت به
…
أرملني قبل ليلة العرس
وولد في شوال سنة إحدى وسبعين ومائة، وتوفي في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وعمره سبع وعشرون سنة، ومدته أربع سنين وتسعة أشهر، وقبره ببغداد.
ثم:
61- دولة المأمون
أبي العباس [ص 135] عبد الله «1» بن هارون الرشيد، هو أجمع القوم
لفضل، متنوع من العلم والحلم، والكرم والشجاعة والوفاء، والنظم والنثر والآداب، إماما مقدما في كل هذه الفضائل، ومعظما في علوم المتأخرين والأوائل، مع ما طبع الله عليه من كرم الأخلاق، وخصه به من تمام السعادة، ومضاء المهابة، لا يعدله في القوم نظير فيما جمع من المناقب الثاقبة، والخلائق الجميلة، أربى علمه على اليونان، وحلمه على ثهلان، وكرمه على ابن مامة، وشجاعته على فارس النعامة، ووفاؤه على السموأل، وشعره على جرول، ونثره على سحبان، وآدابه على ملوك آل ساسان، وقد صفح عن عمه إبراهيم بن المهدي «1» ، وقد واثبه في خطواته، وابتز الخلافة من لهواته، ولما ظفر به تغمده
بحلمه، وتعهده بالعفو على علمه، وعمل في هذا ما لم يسمع مثله قبله ولا بعده، وخلد له ذكرا لا يبلى لديباجة جده، وكذلك عامل أم جعفر بإكرام برّد حرارة حزنها، وخفف حزازة شجنها، حتى سلّ سخيمة صدرها، وحل عقدة الحزن عن فكرها، وألهاها ببره لها عن ابنها، ونهاها نهى حلمه عن تشويش الدموع في جفنها، فأسلاها مصاب ولدها، وأنساها ذهاب قطعة من كبدها، فأخذها في أمره بالمغالطة، واستدرك لها بالمجالسة مهجته الفارطة، فتسلت به سلوة الحزين، وتعوضت ببقاء المأمون عن الأمين، فعاودت مقلتها هجوع الكرى، وقالت: وفي الحي بالميت الذي غيّب في الثرى، وسارت سيره وصارت لا يمل منها مطالعها، ولا يحل بأنه كلما فارقها نظره يراجعها، يصبح حيث أمسى في سطورها المحبرة، وصدورها المجوهرة، ويرود منها روضة أدبية تتحير فيها من مشارق التصنيف حتى الأنوار، ويتحير بها لؤلؤ الطل في حدق النوار، وعهد إلى علي الرضا، وأصارها علوية، ثم عاجله الموت، وما كان في سعادة الناس تمام تلك القضية، إلا أنه أبلى الناس بالمحنة [ص 136] في القول بخلق القرآن، ولم تطهر منها أيامه، ولها قرؤ ولا قرآن، وذلك عن نظر نظره، ورأي نبه على نفسه خطره، ومن أخباره أنه لما خرج من خراسان شيعه حميد الطوسي «1» ، فسار معه فراسخ، فالتفت إليه المأمون وقال: ارجع أنا غانم:
[الكامل]
عجبا لقلب متيّم أحبابه
…
ساروا وخلف كيف لا يتضرع
ارجع فحسبك ما تبعت ركابنا
…
إن المتيم لا محالة يرجع
وشكى اليزيدي «1» إلى المأمون دينا لحقه فقال له ما عندنا في هذه الأيام ما إن أعطيناكه بلغت ما تريد، فقال: يا أمير المؤمنين إن غرمائي قد أرهقوني، قال:
انظر لنفسك أمرا تنال به نفعا، قال: يا أمير المؤمنين، إن لك ندماء فيهم من إن حركته نلت به نفعا، قال: أفعل، قال: إذا حضروا إليك مر فلانا الخادم يوصل إليك رقعتي، فإذا قرأتها فأرسل إليّ دخولك في هذا الوقت متعذر، ولكن اختر لنفسك من أحببت، قال: أفعل، فلما علم اليزيدي بجلوس المأمون مع ندمائه بعث إليه مع خادم رقعة فيها:
[السريع]
يا خير إخواني وأصحابي
…
هذا الطفيلي على الباب
فصيّروني واحدا منكم
…
أو فأخرجوا لي بعض أترابي
فقرأها المأمون عليهم، فقالوا: ما ينبغي يدخل علينا على هذه الحال، فأرسل إليه المأمون:
دخولك متعذر فاختر لنفسك من أحببت، فقال: ما أريد إلا عبد الله بن
طاهر «1» ، فقال له المأمون: قد اختارك فصر إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أكون شريك الطفيلي، فقال المأمون: ما يمكنني رد أبي محمد عن أمرين، فإن أحببت أن تخرج إليه، وإلا فافتد نفسك منه، فقال: عشرة آلاف درهم، قال:
لا تقنعه، فما زال يزيد عشرة عشرة، والمأمون يقول: لا تقنعه، حتى بلغ مائة ألف، فقال له: عجلها، فكتب بها إلى وكيله ووجّه معه رسولا، وأرسل إليه المأمون: اقبض هذه الدراهم في هذه الساعة فهي أصلح لك [ص 137] من منادمته وأنفع لك.
وعن محمد بن عمر الواقدي «2» قال: أوصلت إلى المأمون رقعة أشكو فيها الدين فوقّع عليها: فيك خلتان، الحياء والسخاء، فأما السخاء فهو الذي أخرج ما في يديك، وأما الحياء فهو الذي قطعك عن إطلاعنا على حالك، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، فإن كانت فيها بلغة فذاك، وإن يكن غير ذلك، فهذه ثمرة ما جنيت على نفسك، فأنت حدثتني وأنت قاض للرشيد، عن محمد بن
إسحاق عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: مفاتيح الرزق بها متوجهة نحو العرش، فينزل الله تعالى على الناس أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل له، قال الواقدي: وكنت قد أنسيت هذا الحديث حتى حدثني به المأمون، فكان أحظى عندي من الصلة.
وألّف سهل بن هارون «1» كتابا يمدح فيه البخل ويذم الكرم، ليظهر قدرته على البلاغة «2» ، ورصع درته في ألطف الصياغة، ثم قدمه إلى المأمون على يد الحسن بن سهل، فوقّع عليه: لقد مدحت ما ذمه الله، وحسّنت ما قبح، وما يقوم صلاح لفظك بفساد معناك، وقد جعلنا نوالك عليه قبول قولك فيه.
وقال ظفر: وبلغني أن الرشيد أمر جماعة من العلماء بمبايعة المأمون وهو غلام، ليقتبس من آدابهم وعلومهم، فبات عنده ليلة الحسن بن زياد اللؤلؤي، فبينا هو يحادثه نعس المأمون، فقال له اللؤلؤي: نمت أيها الأمير، فاستيقظ وقال: سويقي ورب الكعبة، يا غلام خذ بيده، وأخرجه، فبلغ ذلك الرشيد فأعجبه، وقال متمثلا:
[الطويل]
وهل ينبت الخطيّ إلا وشيجه
…
وتغرس إلا في منابتها النخل
قال محمد: إنما فعل ذلك المأمون لسوء أدب اللؤلؤي، ووجه الأدب مع الرئيس إذا نام أن يتنحى عنه جلساؤه، فيكونوا بموضع يقرب منه.
قال ابن ظفر: ومما قيل إن الكسائي كان لا يفتح على ولد الرشيد إذا غلطوا، إنما كان ينكس طرفه، فاذا غلط أحدهم نظر إليه، وربما ضرب الأرض [ص 138] بخيزرانة في يده، فإن سدد القاري للصواب مضى، وإلا نظر في المصحف، فافتتح المأمون عليه يوما سورة الصف، فلما قرأ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ
«1» ، نظر إليه الكسائي، وتأمل المأمون، فإذا هو مصيب، فمضى في قراءته، ولما انقلب إلى الرشيد، قال: يا أمير المؤمنين، إن كنت وعدت الكسائي وعدا فإنه يستنجزه، قال: إنه كان استوصلني للقراء فوعدته، فهذا هو الذي قال لك، فقال المأمون: إنه لم يقل لي شيئا، وأخبره بالأمر، فتمثل الرشيد بقول القائل في ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام:
[الطويل]
ورثت أبا بكر أباك ثباته
…
وسيرته في ثابت وشمائله
وأنت امرؤ ترجى بخير وإنما
…
لكل امرئ ما أورثته أوائله
وقيل: إن الرشيد ناظر يحيى بن خالد فيمن يعهد إليه من ولده أولا، وعلم يحيى ميله إلى زبيدة أم الأمين، وأنه يؤثر هواها، فحطب في حبلها، فأحضر الرشيد الأمين والمأمون وهما صبيان، فأغرى بينهما، فأسرع الأمين إلى المأمون فنال منه، وكان المأمون أحلمهما، ثم إنه أمرهما أن يتصارعا، فوثب الأمين ولزم المأمون مكانه، فقال له الرشيد: ما لك لا تقوم يا عبد الله، أخفت ابن الهاشمية، أما إنه أيّد، فقال المأمون: وهو على ما ذكره أمير المؤمنين، ولكني لم أخفه،
وإنما قبض يدي عنه ما قبض لساني حين أسمعني، فقال له الرشيد: فما الذي قبض يدك ولسانك عنه، قال: قول الأموي لبنيه يوصيهم:
[الكامل]
اتقوا الضغائن بينكم وتواصلوا
…
عند الأباعد والحضور الشّهد
فصلاح ذات البين طول بقائكم
…
ودماؤكم بتقطّع وتفرّد
فلمثل ريب الدهر والكف بينكم
…
بتعاطف وترحم وتودد
حتى تلين جلودكم وقلوبكم
…
لمسوّد منكم وغير مسوّد
إن القداح إذا جمعن فرامها
…
بالكسر ذو حنق وبطش أيّد
عزّت فلم تكسر وإن هي بددت
…
فالوهن والتكسير للمتبدد [ص 139]
فرقّ الرشيد رقة شديدة، واغرورقت عيناه بالدموع فكفكفها، ثم أقبل على الأمين فقال: يا محمد، ما أنت صانع إن صرف الله إليك أمر هذه الأمة؟
فقال: أكون مهديا يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد: إن تفعل فأهل ذاك أنت، ثم أقبل على المأمون فقال: يا عبد الله، ما أنت صانع إن صرف الله إليك أمر هذه الأمة، فابتدرت دموع المأمون، وفطن الرشيد لما أبكاه ولم يملك عينيه، فأرسلهما، وبكى يحيى، فلما قضى من البكاء إربا عاد الرشيد لمسألة المأمون، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال الرشيد: عزمت عليك أن تقول، فقال: إن قدر الله ذلك جعلت الحزن شعارا، والحزم دثارا، واتخذت سيرة أمير المؤمنين مشعرا لا تستحل حرماته، وكتابا لا تبدل كلماته، فأشار الرشيد إلى الأمين والمأمون بالانصراف، ثم ذهبا، ثم أقبل على يحيى وأنشده بيت صخر بن عمرو:
[الطويل]
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه
…
وقد حيل بين العير والنزوان
فقال له يحيى: قد هيّأ الله لأمير المؤمنين من أمره رشدا، وكان محبا في لعب الشطرنج، وكان يقول: هو فكري يشحذ الذهن، ولم يكن فيه حاذقا، وكان يقول: أدير أمر الدنيا فأتسع فيه وأضيق في تدبير شبرين في شبرين، وفيه يقول:
[البسيط]
أرض مربعة حمراء من أدم
…
ما بين إلفين مخصوصين بالكرم
تذاكرا الحرب فاحتالا لها مثلا
…
من غير أن يأثما فيها بسفك دم
وأما خروج عمه إبراهيم بن المهدي عليه، فكان سببه أن المأمون لما أراد أن يصرف الخلافة إلى علي بن موسى الرضا «1» ، وبدّل السواد بالخضرة، نقم عليه بنو أبيه، فلما كان بخراسان خلع أهل بغداد طاعته وبايعوا ابن المهدي، ولقبوه بالمبارك، فلما تمهد له الأمر أساء إلى الجند ومنعهم أرزاقهم، فاضطربوا عليه وخلعوه يوم الجمعة سنة ثلاث ومائتين، وكانت [ص 140] مدته نحو سنة، واختفى، وبلغ المأمون الخبر فأتى بغداد فدخلها يوم السبت سادس عشر صفر سنة أربع ومائتين، ولم يزل ابن المهدي مختفيا إلى أن خرج متنقبا على هيئة امرأة بين امرأتين ليلة السابع عشر من ربيع الآخر سنة عشرة ومائتين، فأخذه
الحرس على أنهم عواهر، فأعطاهم خاتما من ذهب فصه ياقوت يساوي مالا عظيما فأنكروا ذلك وحملوه إلى صاحب الشرطة فعرفه، وحمله إلى المأمون فأمر به، فجعل في مكان، فلما كان من الغد أخرج وأظهر للناس على ما أمسك عليه، فقال له المأمون: هيه يا إبراهيم، فقال: يا أمير المؤمنين، إن ولي الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، وقد جعلك الله فوق كل ذنب، كما جعل كل ذنب دونك، فإن عاقبت فبحقك، وإن عفوت فبفضلك، فقال له المأمون: بل نعفو يا إبراهيم، فكبّر، ثم خرّ ساجدا، فلما رفع رأسه أنشده:
[الطويل]
يا خير من وخدت به شدنية
…
بعد الرسول لآيس أو طامع
متيقظا حذرا وما يخشى العدى
…
يقظان من وسنات يوم الهاجع
ملئت قلوب الناس منك مخافة
…
وتبيت تكلؤهم بقلب خاشع
نفسي فداؤك أن تضيق معاذري
…
والود منك بفضل حلم واسع
أملا لفضلك والفضائل شيمة
…
رفعت ثناءك بالمحل النافع
فبذلت أفضل ما تضيق ببذله
…
وسع النفوس من الفعال البارع
وعفوت عن من لم يكن عن مثله
…
عفو ولم يشفع إليك بشافع
إلا العلو عن العقوبة بعد ما
…
ظفرت يداك بمستكن خاضع
ورحمت أطفالا كأفراخ القطا
…
وعويل عانسة كقوس النازع
الله يعلم ما أقول فإنها
…
جهد الألية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تقودني
…
أسبابها إلا بنية راجع
حتى إذا علقت حبائل شقوتي
…
بردا إلى حفر المنية هانع [ص 141]
لم أدر أنّ لمثل جرمي غافر
…
فوقفت أنظر أي حتف صارعي
ردّ الحياة عليّ بعد ذهابها
…
ورع الإمام القادر المتواضع
أحياك من ولّاك أطول مدة
…
ورمى عدوك في الوتين بقاطع
أسمام ما أدلى إليك بحجة
…
إلا التضرع من مقر خاضع
كم من يد لك لم تحدثني بها
…
نفسي إذا ثابت إليّ مطامعي
أسديتها عفوا إليّ هنيئة
…
فشكرت مصنعها لأكرم صانع
إن الذي قسم الخلافة حازها
…
في صلب آدم للإمام السابع
جمع القلوب إليك جامع أمرها
…
وحوى رداؤك كل خير جامع
فلما فرغ منها قال له: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)«1» ، ثم أمر بالخلع فخلعت عليه، وصرف عليه أمواله وضياعه، فأنشده:
[البسيط]
رددت مالي ولم تبخل عليّ به
…
وقبل ردّك مالي قد حقنت دمي
فبؤت عنك وما كافأتها بيد
…
هما حياتان من موت ومن عدم
البرّ منك وطّا العذر عندك لي
…
فيما أتيت فلم تعدل ولم تلم
وقام علمك بي فاحتج عندك لي
…
مقام شاهد عدل غير متهم
تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به
…
فلا عدمناك من عاف ومنتقم
ثم شفعت فيه بوران، فقربه ونادمه، ولم يزل مكرما مبرورا إلى آخر عمره.
وكان سبب موت المأمون أنه كان على نهر البذندون «2» مدليا ساقيه في الماء،
قال: ما رأيت أبرد من هذا الماء، ثم ذاقه وقال: ما أطيب طعمه، ثم التفت إلى سعيد بن الصلاف قال: أي شىء يصلح أن يؤكل عليه، قال: أمير المؤمنين أعلم، قال: الرطب الأزاد، قال: أنّى لنا به في بلاد الروم، فما تم كلامه حتى سمع لجم البريد، فالتفت فرأى على أعجازها أحقاب فيها ألطاف، ومنها رطب أزاد، فحمد الله هو ومن كان معه، فما قام أحد ممن أكله إلا محموما، فكان ذلك أول علته، ثم ظهرت له في رقبته نفخة، كانت تعتاده، فأخطأ [ص 141] الطبيب في فتحها قبل النضج فهلك، ويقال إنه لما خرج في تلك الغزاة، صاح في أحد تلك الليالي لغلام اسمه سقير، وقال له: ويلك من يغني، قال: ما يغني أحد، قال: ثم تسمعت فلم أسمع شيئا، فقلت: ما أسمع حسا، قال:
بلى والله إنه كان يغني:
[الوافر]
ألم تعجب لمنزلة ودور
…
خلت بين المشقر والحرور
كأنّ بقيّة الآثار فيها
…
بقايا الخطّ من قلم الزبور
ثم اعتل في الليلة الثالثة. وحكى ابن المهدي قال: رأيت في منامي كأن جارية من جواري الرشيد، وفي يدها عود، وهي على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تنشد:
[الخفيف]
سوف يأتي الرسول من بعد شهر
…
بنعيّ الخليفة المأمون
قال: فقلت هذه مفسرة، فجاء نعيه بعد شهر، وولد سنة سبعين ومائة، وتوفي سنة ثمان عشر ومائتين، وعمره ثمان وأربعون سنة وشهور، ومدته عشرون سنة وستة أشهر، وقبره على البذندون بطرسوس من بلاد الروم.