الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبيد الله بن يحيى:
[الطويل]
تبؤّأ بين الحزن والسهل منزلا
…
بأفيح فضفاض البساط على النهر
تصعّد في ساحته الخضر ماؤه
…
تصعد أنفاس المتيّم بالذكر [ص 324]
ترقّى بها في الجو ثم تعيده
…
إلى مستقر الأرض ناعورة تجري
تردد تغريد الطيور وتارة
…
ترجع ترجيع الأهازيج في الزمر
وكان ممدحا، فمما قال فيه أبو عثمان هذا، وقد رآه في موقف حرب، أبان فيه قمرا من وجهه يغطي ضوء القمر ويخفيه:
[الكامل]
أغمامة بين البوارق تهمع
…
أم شارق وسط الكتائب يلمع
أم غرّة القمر المنير يحفها
…
زهر النجوم أم الهصور الأروع
لا بل هو الملك الذي في درعه
…
ونجاده هذي الصفات الأربع
وتوفي الناصر عبد الرحمن في شهر رمضان سنة خمسين وثلاث مائة.
121- دولة ابنه الحكم المستنصر بن عبد الرّحمن النّاصر
أبي العاص «1» ، وهو الحكم العادل، والعلم الذي لا تطاوله الجنادل، والكرم
الذي لا يصغي إلى قول العاذل، ولا يبغي طاقة الباذل، ونطق منذ كان صبيا بالحكم، وصدّق فكان في بيته يؤتى الحكم «1» ، ونفقت في أيامه سوق الفضائل، ووثقت بأنعامه الطآيل [كذا] ، ولم يكن فيه عيب إلا قصر أيامه، وقصور مدته عن مرامه، وأهل الأندلس تعده من أصلح خلفائها، وأرجح أهل وفائه بها، ولم يكن من أهل الفضل إلا من يزدلف إليه بما لديه، ويقرب كرمه السابغ عليه من يديه، وكان الناظر لا يكاد يرى إلا عالما ومعلما، أو مقدما أو متقدما، وما بقي من رعاياه إلا من رعاه حرمه، ودعاه كرمه، فلم يدع منهم إلا راضيا عن زمانه، أو قاضيا له منه بأمانه، ثم ما زال مزيدا في الصلاح، ومتجددا به عموم الفلاح، حتى أتاه اليقين، وأراه موضعه في أماكن المتقين، وأجرى مرة خيله للسباق، فأحرز قصباته، وغبر في وجوه السباق، فقال محمد بن حسين الطبني:«2»
[الرجز]
أعارض عجلان في البحر خفق
…
أم نفس الريح تجاري واستبق [ص 325]
أم الجياد أحضرت بلا عنق
…
تطلب عند البعد ثارا بحنق
وطارت الحصباء عنهن فلق
…
وثار مجموع الغبار وافترق
يرفع ثوب الصدع من ثوب الغسق
…
لو خطرت على لياه لاحترق «1»
من لهب الشدّ وحر المنطلق
…
حتى إذا ما سكبت ماء العرق
وسرن سير الطير ينفضن اللثق
…
قد بلغت من زيد أسنى البلق «2»
وانغمس الأدهم في لون نهق
…
كالورق المنسوج أمثال الورق «3»
وماح منهن اللواء والتصق
…
وازدحمت فيه عليهن الحدق «4»
من زمن لو سابق الريح سبق
…
طرف كلحظ الطّرف أوهى فرتق
أو لحظة البرق مع الريح برق
…
أو خطفة الجني للسمع استرق
أو سرعة الطيف إذا الطيف طرق
…
من نازح يعدي الكرى على الأرق
لعبشمي كان بالسبق أحق
…
كأنما غرته نور الفلق
نواله في الناس فيض ودفق
…
ممسكه من كل نفس برمق
للمرتجي أمن وللمال فرق
…
وبأسه أشبه شىء بالصعق
إذا تدافعن الرماح والدرق
…
كأنما ماذيه إذا نطق
يبثّ في الناس أفانين العبق
…
مستنصر بالله يرعى من خلق
لخيله فضل على الخيل نسق
…
كفضل ما بين الملوك والسوق
وحكى صاحب المقتبس عن المستنصر هذا سعادة فيما يطلبه من الأمور، وما عقد له به لواء الظفر والتأييد، وأنشد كثيرا مما مدح به في وقائعه التي كان له
فيها الغلب، وبان لأعين النظارة له فيها حسن المنقلب، فمنها قول محمد بن المحاسن:
[الطويل]
أقمت حدود الله حتى تحددت
…
معالمه فينا وأشرق نورها
وألبست دنياك شبابا وبهجة
…
فراق جمالا سوؤها وسرورها
نهجت لغاويها الطريق فلم يحد
…
ولا ضلّ أعماها فكيف بصيرها [ص 326]
وجرّدت سيف الحقّ في كلّ بدعة
…
تعفّي على آثارها وتبيرها
وثقنا مذ استنصرت بالله إنه
…
نصيرك مما تتّقي ونصيرها
عن الله ترمي فهو عنك مدافع
…
ودائرة السوء على من يديرها
ومنها قول سعيد بن عبد الملك:
[الطويل]
إمام جلا عن أرضنا الظلم عدله
…
فعاد إلى معناه من كان جاليا
إذا ما بدا يوما لعين فقد رأت
…
به كلّ شىء تملأ العين باديا
من العبشميين الذين أكفّهم
…
سحائب تنسيك السحاب الغواديا
لقاؤهم يغنيك إن كنت مملقا
…
وبشرهم يرويك إن كنت صاديا
ومنها قول محمد بن شخيص:
[الطويل]
كأنك اليوم المعجل للعدى
…
بوضع الحبالى أو تشيب المراضع
تواضعت كي تزداد عزّا وإنّما
…
يقدم عند الله عز التواضع
وقمت بما أدّى عن الله أحمد
…
وأدّيت حقا ضائعا غير ضائع
ومنها:
رأى ولد الفاروق بيعة جده
…
فبايع تبصيرا لمن لم يبايع
وقد زمّها مروان في يوم راهط
…
برأي لأهواء الجماعة جامع
وراية شورى لو أعيدت لما دعت
…
لدعوته الآذان دعوى منازع
ولا شاع في مصر لصحب محمد
…
أذى لم يكن من قبل فيها بشائع
ومنها قول يوسف بن هارون الرقاشي ملمحا في بعض أغزاله، وملمحا بها لحلو مقاله، وقد أبرز للقاء جعفر المفارق لمعد صاحب أفريقية جيشا أبرقت مناصله، وبرزت سهامه، كأنها لواحظ أغيد لا تخطي مقاتله، وهو:
[الكامل]
ولقد عجبت لغفلة المستنصر
…
إذ أبرز الجيش الهمام لجعفر
ولو أن من أهواه يبرز وجهه
…
قامت لواحظه مقام العسكر [ص 327]
وقد ذكر صاحب بلغة الظرفاء الحكم المستنصر، وأورد له شعرا ورد به منهل الشعرى، وهو قوله:
[الطويل]
ألسنا بني مروان كيف تبدّلت
…
بنا الحال أو دارت علينا الدوائر
إذا ولد المولود منّا تهللت
…
له الأرض واهتزت إليه المنابر
بويع المستنصر في رمضان سنة خمسين وثلاث مائة، ولد مستهل رجب سنة اثنتين وثلاث مائة، وتوفي في صفر سنة ست وستين وثلاث مائة، وكانت مدته نحو ست عشرة سنة، وكان أبيض طوالا، شثن اليدين جسيما وسيما، أسود العينين، أصهب عظيم اللحية، يخضب بسواد.