الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأنّ رضاي ينجيك من سخط الله، فمن أعطاك ما قبله عفوا فاقبله منه، ومن قامت عليه البيّنة، فخذه بما تثبت البينة عليه، ومن أنكر فاستحلفه، فوالله لأن تلقوا الله بجناياتهم، أحب إليّ من أن ألقاه بعذابهم، والسلام» .
وقال كاتبه إسماعيل بن أبي حكيم «1» : ما كتبت له قط في أكثر من شبر، حتى خرج من الدنيا. ودخل عليه مسلمة بن عبد الملك «2» في مرضته التي مات فيها، فقال: ألا توصي بمعروف يا أمير المؤمنين؟ قال: بم أوصي، والله ليس لي مال، قال مسلمة: هذه مائة ألف فمر فيها بما أحببت، قال: أو تفعل؟
قال: نعم، قال: ترد على من أخذت منه ظلما، فبكى مسلمة وقال: رحمك الله، لقد ألنت منّا [ص 285] قلوبا قاسية، وأبقيت لنا في الصالحين ذكرا.
[ثم] :
107- دوّلة يزيد بن عبد الملك بن مروان
أبي خالد «3» ، عريق في العظام البالية، حقيق بالملك، أبواه مروان ومعاوية، بايعه بالعهد أخوه سليمان، وقد كان همّ بهذا أبوه عبد الملك بن مروان، وقال
سليمان: إذ عهد إليه بعد عمر بن عبد العزيز: لولا إني أخاف اختلاف بني مروان ووقوع الفتنة، ما وليت يزيد، ولاقتصرت على عمر بن عبد العزيز، وقال عمر حين احتضر: لو اخترت للأمة غير يزيد كان ذلك أولى، ولكني أخاف إن أخرجها من بني عبد الملك أن تقع فتنة وفرقة، وأنا أولي سليمان ما تولى «1» ، والمسلمون أولى بالنظر في أمرهم.
وهو «2» أول من غالى بالقيان، وعالى بتشييد هذا البنيان، وما منع هواه عن قينة، ولا قطع في غير مناه آونة ولا فينة، وانعكف على اللهو والطرب، والزهو بخرائد العرب، ولبث مدة ملكه بين النساء يجر ذيول الغانيات، ويسرهن باينات ودانيات، عشق سلامة «3» وحبابة «4» ، وطفق على المدامة والصبابة، فظل
يرتشف ثغر قدح أو جارية، لا يطبي شيخ ولا جازية، كأنّ العرب ليسوا من آبائه، أو بالعرب ليسوا على آبائه، وعمد يزيد إلى كلما صنعه عمر بن عبد العزيز مما لا يوافق رأيه، ولا يوافق تنكبه عن الحق ولاءه، فرده إلى ما كان عليه قبل عمر، وعدّه من إحسان ما أمر، ولم يخف فيه إثما في دنيا ولا آخرة، ولا كلما ظلما تبع به أوائله واستلحق أواخره إصرارا على الحنث العظيم، واغترارا بالله الحليم، هذا وهو كريم يقفى على منهجه، ويعفى صنايع السحاب بانصباب خلجه، وله فتوة ما أخلق انهماكه على الطرب بردها، ولا أخلف عهدها، لما خلق في عنصره القرشي طباعا، وأطبق على جوهره الأموي شعاعا.
حكى المدائني عن محمد بن خالد، قال:[ص 286] كان لسعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسد قصر بحيال قصر يزيد بن عبد الملك، فكان يزيد إذا ركب إلى الجمعة، توافيا إلى موضع واحد، فقال له يزيد في بعض الجمع: ما أراك تخل في جمعة واحدة، فقال له سعيد: إن قصري بحيال قصرك، فاذا ركبت ركبت فتلاقينا في هذا الموضع، فقال يزيد: فإن لي إليك حاجة، قال:
إذا لا يرد عليها أمير المؤمنين، قال: تهبني قصرك، قال: هو لك يا أمير المؤمنين، قال يزيد: فلك به خمس حوائج، قال سعيد: أن تردّ قصري عليّ، قال:
نعم قد فعلت، فاذكر الأربع، فذكرها سعيد، فقضاها له يزيد.
وها أنا أذكر شيئا من أمره مع سلامة وحبابة: أما سلامة فكانت لرجل من أهل الكوفة اشتراها سهيل الزهري، ثم اتصلت بيزيد، وكان يعرف بسلامة