الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهدون كلّ بلاء
…
من العراق إلينا
ثم:
12- أبو الفتوح الحسن بن جعفر
«1»
ابن الحسن بن محمد بن سليمان، كان جميل الوفاء، جليل القدر في الشرفاء، كتب إليه القادر سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة بولاية مكة، فأنفذ كتابه إلى العزيز فوقّع له العزيز بولاية مكة، وأرسل له بمال وخلع للشرفاء، فحضرتهم عند الكعبة، وقسم فيهم المال، وقال عندما ألبس الكعبة الكسوة البيضاء: الحمد لله يا بني فاطمة الزهراء، وأصحاب السنة الغراء، على أن زيّن بيته بلبسه السرور بعد لبسه الحزن، وجعل ملك الحرمين لبني بنت رسوله من بني [ص 19] الحسين وبني الحسن، فأرضى الفريقين، واتصلت إمارته، وأتاه كتاب الحاكم بالبراءة ممن غصب وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه في الخلافة، ومنع فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها في فدك «2» ، فغضب أبو الفتوح وقال: قوم قام بهم منار الإسلام بعد نبيّه عليه السلام، يذكرهم بما لا يجب، أهكذا فعلت النصارى بالحواريين «3» ، بل جعلوا قبر كل واحد منهم مزارا لحج وعبادة، والله لو أمرني أن
ألعن قوما على غير الملّة لما ارتضيت أن أكون لعّانا وو الله إن من حقوق جدنا علي بن أبي طالب وصفه بالعجز، قام بهذا وخطب على رؤوس العلوية، فقام إليه رجل منهم وقال: أيها الأمير، هذا مقال من يجب عليه أن لا يرجع عما قاله، قال صدقت، ثم شرع في مباينة الحاكم، وأتاه الوزير أبو القاسم يحرضه على طلب الخلافة، فخطب لنفسه بها وتلقب بالراشد، وأتى الرملة «1» فبايعه بنو الجراح أمراء طيء، ودعي أمير المؤمنين، فما زال الحاكم يتحيل على العرب بالرغبة والرهبة، حتى انفردوا عنه، فرجع إلى مكة، ولم يجد بدّا من إعادة الخطبة للحاكم، فقيل له أترضى بأن تكون تابعا بعد أن كنت متبوعا، فقال: ما أحب أحد الحياة في عافية إلا رضي ببعض الدرجة، وامتد عمره إلى سنة ثلاثين وأربع مائة، وإمارته مدتها ستة وأربعون سنة، وهو القائل:
[المجتث]
أهوى الكؤوس فمنها
…
إلى السرور أسير
عجبت منها شموسا
…
حفّت بهنّ بدور
عجبت منها خدودا
…
لاحت عليها ثغور
حكي أنّ الوزير أبا القاسم كانت عنده محاككة «2» وموافقة، فقال يوما لأبي الفتوح بمحضر من الأشراف وأمراء العرب: ما رأيت أشعر منك في قولك، وأنشد هذه الأبيات، فخجل أبو الفتوح، وعلم أنه أراد إعلامهم أنه يشرب الخمر، فقال لأحد حجابه: عليّ بالمصحف، فلما حضر فتحه [ص 20] وقال:
وحق ما احتوى عليه، ما شربتها قط، ولا حضرت عليها، وتوحش لأبي القاسم، ففر منه، ولأبي الفتوح شعر كثير، منه ما أنشده الباخرزي في الدمية وهو:
[الخفيف]
وصلتني الهموم وصل هواك
…
وجفاني الرقاد مثل جفاك
حكى لي الرسول أنّك غضبى
…
كفى الله شرّ ما هو حاكي
ثم ولي بعده ابنه شكر «1» ، وكان نصلا لا يثلمه الضراب، ورمحا لا يحطمه الحراب، وجرت له خطوب ملك في أثنائها المدينة، وجمع بين الحرمين، ولما وقعت الحرب بينه وبين عمّه من بني موسى الجون، الذين كرهوا دعوة المصريين، وأرادوا الخطبة لبني العباس، وعاضدهم بنو الحسين وبنو جعفر، قال:
[الطويل]
بني عمّنا الأدنين قربا تأمّلوا
…
غرايب ما يأتي به البغي في الأهل
نسيتم دماء بالمدينة أهدرت
…
وما كان في فجّ من الأسر والقتل
فميلوا لهم لا درّ لله درّكم
…
وعاطوهم كأس المودّة والوصل
وخلّوا بني بنت النّبيّ بجانب
…
ولا تقصروا حتى تروا فرقة الشّمل
وتأخذكم أيدي الشتات وتخرجوا
…
من الحرم الشامي والحرم القبلي
وأمّا أنا ما دام للسيف قائم
…
فلا أشتري عزّ العشيرة بالذلّ
ولا أرتقي إلا ذرى كل منبر
…
ولا أرتضي إلا الذي يرتضي مثلي