الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قمره حتى غاب، ولا أصحر ضيغمه حتى واراه الغاب، فأراح من تجني الناصر تعب خواطرهم، ومن تعني الرسل بينهم وبينه نظر نواظرهم، وكان قد أمر بوظائف الرسل، ورتب لطائف الأنزال في السبل، فسارت إليه بهم ركائبهم الذلل الصعاب، وتحدرت إليه قصاده بطون الأودية وشعاف الشعاب، ثم انتقل إلى الله مبوّأ في لحده الكرامات، ممرضا بعده الصبر والكرى مات.
ثم:
91- دولة المستعصم بالله
أبي أحمد عبد الله «1» بن المنصور المستنصر، وهو آخر الخلفاء في بغداد، بل آخرهم في سائر البلاد بالاستبداد، وكان محدثا سنيّا، محمدا سنيّا، تفقه على مذهب أحمد، وتشبّه في أوله في كل ما هو أحمد، وكان من ذوي العقول، إلا أنّ باريه كاده، والبصائر إلا أن الله أعماه ليمضي مراده، وأغري باللعب [ص 198] بالحمام، فجلب على المسلمين جالب الحمام، جمع منها
عشرين ألف طائر، إلا أنها كانت مياشيم أكثرها قلابات، قلبت الدولة، وانتهكت الحريم، ومني بوزير بل كلب خنزير، رافضي خبيث، غير مأمون حتى ولا على حديث، فرتع في سوام المال ذيبه، ونفق على الخليفة كذبه لا تكذيبه، وجلب بمواطأته التتار ما أضر بالأمم قتله لا تعذيبه، ولم يجد حمد كمده ريح فطنة تحلله ولا تذنبه، فغطى على بصر الإسلام تلبيس تدليسه، وغط دماء آلامه تسليط أباليسه، فكان في دبيبه أرقما، وسقى كؤوس الضراء لطعم أبيه علقما، فلا كان العلقمي «1» وما ولد، لقد ولد أفعى، وألقى عصا قلمه فإذا هي حية تسعى، لقد أتى شيئا نكرا، وأطعم الناس من طعامه العلقمي مرّا، فحسّن للخليفة جمع المال، وكاتب التتار سرا ومد لهم الآمال، وبقي يقطع ألفا فألفا من الجند ويوفر مالهم للديوان، وإنما يريد إضعاف جانب الخليفة، وإرجاف جوانب الأرض، يوهن قوته الضعيفة، فلما فلّ حدّ العسكر، وقلّ عديدهم الأكثر، استقدم عسكر العدو وترسله وتكتبه، واستدعى بره الفسيح بوهاده وكثبه، فجاء من لا قوة للبلاد بحمل بعضهم، ولا طاقة للتخوم بمثار ركضهم، ففرق جدول الإسلام في تيارهم، وأحرق نور الإيمان بنارهم،
وبدأت الخلافة «1» بعبد الله السفاح، وختمت بعبد الله المستعصم، ولم تدر الملة لمن تستخصم، وأخذ رحمه الله وقتل، وهو جمت بغداد، وقتل الرجال، وسبي النساء والأولاد، وألقت الهاشميين في دجلة بأرواحها، وارتجت النواحي بنواحها، وكاد الإسلام يذهب بجملته، والدين المحمدي يطوي ملاءة ملته، وانقرضت الدولة العباسية، إلا بقية أتت مصر، ونويض «2» سراجها ثم انطفى، وأومض بريقها في أخريات الليل ثم اختفى، وكان المستعصم يسكن إلى وزيره المؤيد ابن العلقمي ويسيل بضبعه ويميل إلى اعتلاء قدره ورفعه، ولا يزال يلاطفه [ص 199] ويهاديه، ولا يقطع مكاتباته، إما يجاوبه أو يباديه، أهدى إليه مرة قصب أقلام، وكتب معها: بعثنا إلى الوزير أعزه الله بقصب يراع، مؤذنة بأنه لدينا في المحل الأقصى لا يراع، فليكتب بها مشرفا، وفي الأرض وسكانها على رغم من يشناه مصرفا، فلما أتت ابن العلقمي، قام لها وقبّل الأرض وقبّلها، واعتقل خطيها المتفقة وأسلها، ثم كتب:(قبل المملوك شكرا للإنعام عليه بأقلام قلمت أظفار الحدثان، وقامت له في حرب صرف الزمان، مقام عواسل المران «3» ، وأجنته ثمار الأوطار من أغصانها، وحازت له قصبات المفاخر يوم رهانها، فيالله كم عقد ذمام في عقدها، وكم بحر سعادة أصبح من مدادها ومددها، وكم منآد خط استقام بمثقفاتها، وكم صوارم خطوب قلت مضاربها بمطروف مرهفاتها، فالله تعالى ينهض المملوك بمفروض دعائه، ويوفقه للقيام بشكر ما أولاه من جميل رأيه وجزيل حبائه) .
وكانت آفته بل آفة الإسلام وزيره، ولما قدم هولاكو لإزاحة الباطنية عن