الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكيف يصبر من ضمّت أضالعه
…
على وساوس همّ غير منقطع
إذا الهموم توافت بعد هد أتها
…
عادت عليه بكأس مرّة الجزع
وترك إدريس عشرة بنين كان كلّ واحد منهم يخالف الآخر وينازعه سلطانه، وكان أجلهم القاسم، وفي القاسميين كان معظم الإمامة فيهم، وكان:
18- القاسم بن إدريس
القائم بعد أبيه، خطب له ببلد سبتة وما يليه، وجرت بينه وبين عمال بني أمية حروب، وتساهم هو وإياهم غمرات كروب، وإليه ينسب الحوطيون شرفاء فاس، والكريون وبنو فنون جلة كومية، وأشهرهم في القديم جنون بن أبي العيش عيسى بن جنون بن محمد بن القاسم، صاحب بصرة المغرب «1» ، وكان له خمسة وعشرون ذكرا، منهم الحسن الأعور، وادعى النبوة في بلاد البربر، وعظم أمره فيهم، وذكر ابن حيان وقائعه مع عسكر المستنصر الأموي «2» حتى
امتنع بحصن الكرم، وبويع المستنصر ثم آل الأمر إلى أنه وفد على المستنصر طائعا بقرطبة، واحتفل له المستنصر وتلقاه، وجلس له، وأنشدت الشعراء، ومنهم ابن شخيص، وقال:
[الطويل]
أمية قد عادت بنو حسن لكم
…
كما كان فيما قد مضى حين سلموا
فعودوا عليهم بالذي قد تعودوا
…
من الحلم والرحمى فذلك أكرم
قال: وكان معه جمع من الحسنيين فيهم صبي لم يبلغ الحلم فلما رأى ما عوملوا به من الإكرام، بكى فقال له بعض أقاربه: ما يبكيك [ص 27] وأنت ترى هذه النعم؟ فقال: النقم في عزنا حيث كنا، خير من هذه النعم في ذلنا لبني أمية، قال: وافترقت الأدراسة فرقتين، فالمحمديون من ولد محمد بن إدريس المثنى، مالوا إلى ابن عمهم المهدي عبيد الله بأفريقية، والعمريون من ولد عمر بن إدريس، مالوا إلى الناصر الأموي، وكتب إليه رئيسهم كتابا قال فيه: وقد أنعم الله علينا يا أمير المؤمنين بأن صرف همّتك إلى ناحيتنا، ووكل عزمك بعدوتنا، ولقد كنا نتمنّى ذلك ونستبطئه منك إلى أن تمم الله عزمك، ويسرك إلى توفيقه، مما نرجو أن نرتقي فيه بك إلى أفضل المحطّ «1» وأشرف المنازل، وقال فيه: إن بلد البربر تغلّب عليه قوم ملكوا أنفسهم من زمن عمر بن عبد العزيز وجرت عادتهم بجحد السلاطين، ودفع الأئمة، إلى أن دخل إليهم جدنا إدريس بن عبد الله، هاربا من عبد الله الملقب المنصور، بعد أن قتل أخويه محمدا وإبراهيم، وشرّد أهلهم، فلما صار إليهم جدنا، واستجار بهم، أجاروه ورعوا
حقه، ووضعوا له ببلدهم فرضا من غير أن يضبطهم ضبطا بسلطان، وقد تناسلنا منه، وقمنا بعده، وسلكنا سبيله، فالبربر إلى اليوم على عادتهم الأولى، إن هممنا بتشديد السلطان عليهم هربوا عنا، ونفروا منا، واتخذوا الحصون علينا، فمرة نذهب إلى محاربتهم، وتارة نعدل إلى مداراتهم، ولا نطمع مع الأيام في ضبطهم وكف عاديتهم، ونحن مستبشرون بما خاطبنا به أمير المؤمنين، من أنه قد فرغت أسبابه من الأندلس، وأنه على عزم التوجه لرد ما كان لآبائه، ثم كتب في آخره:
[الطويل]
إليك أمير المؤمنين رفعناها
…
رؤوسا تروم الأمن والمنّ والجاها
نفتنا بنو العباس عن شرق أرضها
…
وآل حسين [قد] قلتنا بقرباها «1»
ولم يبق إلا أن تكرّ أميّة
…
بأحلامها لا أبعد الله مثواها
ثم قدر الله أن كان خراب دولة بني أمية على أيدي هؤلاء الأدراسة [ص 28] العمريين، على ما هو مذكور في موضعه، وكان السبب أن ولي أحمد بن حمود سبتة «2» وقبائل العدوة «3» ، فتلقفها تلقف الأكياس وقال:(وتلك الأيام نداولها بين الناس)«4» ، لأمر أريد بظهور الدولة الحمودية، وأولها: