الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العباسية منها بضرة، إلا أنها غير حسناء، وابتزت بصفيحة صقيل إلا أنها ليست بخشناء، فأما المغرب إلى آخر حدود مصر، فما زعزع لهم فيها سرير، ولا نزع لهم فيها طاعة أمير، وأما الحجاز واليمن والشام فكانت تكون بينهم وبين الدولة العباسية، أو الناجمين فيها دول الأيام، ثم أصحب اليمن لدعاتهم، وسهّل ما استصعب لدعاتهم، وكانوا في أول الحال ملوك استقلال، ثم غلبت عليها الوزراء، ورمت حينها من الاعتلال، ونحن نذكر دول الحسينيين ممن اشتهر وتراءى فجر ملكه وظهر، ولا أقول إلا موجزا، ولا أعد من أخبارهم إلا بما أؤمّل أن أكون له منجزا، وأبدأ بالدولة العبيدية، وها أنا أذكرها وأصفها، وإن كنت لا أشكرها، وأصف بعض أيامها وإن لم يبق منها إلا تذكرها، وبالله التوفيق ومنه المدد، والهدى إلى الجدد.
ذكر الدّولة العبيديّة
نشأت بالغرب، ثم كانت بمصر، ولبثت أحقابا، وعبثت عفوا وعقابا، وعطلت فيها الشرائع، وبطلت الذرائع، وشدد فيها على المحدثين والمؤرخين وعلماء الأنساب، لئلا يظهر بهرج نسبهم الدعي، وزيف مذهبهم غير الشرعي، نسبوا علم الرفض، ودعوا الناس إلى هذا الشنار، وادعوا أنهم أئمة ولكنهم يهدون إلى النار، فلقد كانت ظلامات رفض، وظلمات بعضها فوق بعض، على أن من ردد في معتقدهم النظر، علم أنما غاب عنه منهم أكثر مما حضر، فإنهم طائفة ممن يعتقد الحلول «1» ، وتعتضد بما لا يعقد عليه من المعتقد المحلول، ممن تقول بتناسخ الأرواح «2» ، وتناسي بعض النفوس لهياكل الأشباح، ولهم على
زعمهم أئمة خفاء وظهور، وإن الزمان في كل سبعة يدور، وقد صنف [ص 43] القاضي أبو بكر الباقلاني كتاب كشف الأسرار وهتك الأستار «1» في سوء معتقدهم ومرادهم، ووقفت على سجلات وتواقيع عن بعض أئمتهم، بعضها يحط صلوات، وبعضها بإقطاع في الجنة، أو رفع درجات، ولكثرة كلام الناس فيهم، نقنع باليسير، ولا حاجة إلى التفسير.
فأما نسبهم، فللناس فيه اختلاف كثير، فأما هم فادّعوا أنهم من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق، وأما الناس، فمنهم من أفرط حتى قال إنهم من ولد رجل يهودي من أهل سلمية، ومنهم من قال: إنهم من ولد رجل خياط من بعض عامة المسلمين، وقال بعضهم: كان الداعية لهم داعيا لرجل شريف من آل البيت، فمات وقد اجتمعت زمر الشيعة، ولم يبق إلا الظهور، فلم يمكنه إطلاعهم على موت ذلك الشريف، لئلا تتقلل عزائمهم، وينفض جمعهم، فأخذ صبيا أراهم إياه، وقال لهم: إن الإمام مات وهذا ابنه، وقد أوصى إليه، ثم من قال إن ذلك الصبي ابن امرأة كان الداعية قد تزوج بها، وثبت في بغداد محضر بأنهم أدعياء، وأتي به إلى الشريفين المرتضى والرضي الموسويين «2» ، فأبيا أن يشهدا فيه، وكان هذا أقوى حجج العبيديين على دعواهم، وكذلك لهم
شهادة صريحة شهد بها الشريف الرضي في قوله:
[الخفيف]
ما مقامي بأرض بغداد رشد
…
وبمصر الخليفة العلويّ
من أبوه أبي ودعواه دعواي
…
ومن جده وجدي النبيّ
ألبس الذّلّ في ديار الأعادي
…
وابن عمّي له المكان العليّ
إن عرقي بعرقه سيد النا
…
س جميعا محمد وعليّ
وأما حجة الخصم عليهم، فامتناع آل أبي طاهر من تزويج المعز أبي تميم معد، وكان السبب «1» في خطبته إليهم أنهم أعرق بيت في أهل مصر شرفا، فلما قدم المعز مصر ألقيت إليه ورقة فيها:[ص 44]
[السريع]
إن كنت من أبناء أهل العبا
…
فاخطب إلى آل أبي طاهر
فان رآك القوم كفؤا لهم
…
في باطن الأمر وفي الظاهر
و «2» ......
فخطب إليهم فاعتذروا إليه، وقالوا إنه لا بنت لنا، فسكت على مضض يتجرعه ولا يكاد يسيغه، وجرد كان لا يتوقعه ولا يزيغه، ثم ألقيت إليه بعدها أوراق فيها مذمة وعار وملمّة، لا يعرف لها شعار، ومن جملة [ذلك] :
[السريع]
إن كنت فيما تدّعي صادقا
…
فانسب لنا نفسك كالطائع
فإنّ أنساب بني هاشم
…
يقصر عنها طمع الطامع
وأنت فيما تدعي عاجز
…
فاذكر أبا بعد الأب الرابع
أو فدع الأنساب مستورة
…
وادخل بنا في النسب الواسع
فصعد المنبر، وأخذ في إحدى يديه سيفا وفي الأخرى دينارا، ثم قال: أما بعد فقد كتبت لنا ورقة، يسأل فيها عن نسبنا، وهذا نسبي، وأشار إلى السيف، وهذا حسبي، وأشار إلى الدينار، فمن أقر بنسبي أدخلته حسبي، ومن لم يرد حسبي قتلته بنسبي، والسلام، ثم نزل.
وكانوا يكرمون الغرباء، وينعمون إنعاما يعمّ الناس، ويخصون الأدباء مع ما كان فيهم من احتقاب إفك «1» ، واختضاب سيف بسفك، واتخاذ شيعة تسترك عقود الأنام، وتأخذ بالألباب أخذ النعاس بعين النيام، وفيهم يقول ابن قادوس «2» ، ويعرّض بالعباسيين وشعارهم، وهو:
[الكامل]
أنتم بنو الزهراء أوضح نوركم
…
للناس بهجا نائل ورشاد
وهم لما خوّلتم في مأثم
…
جمعوا العبوس إلى لباس حداد [ص 45]
وقد ذهب بعض الناس إلى أن هذه الدولة من بني أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم، وقيل بل هم من حمير ثم من صنهاجة، والخلاف فيهم كثير، وها أنا
أذكر أمر هؤلاء من أوله:
كان ابتداء أمرهم على يد أبي عبد الله الشيعي الملقب بالمحتسب «1» ، واسمه: الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا الداعي ببلاد المغرب، والقائم بدولتهم، أصله من الكوفة، وقيل من رام هرمز من كور الأهواز، قال الشريف أبو العباس أحمد بن الحسن الحسني الغرناطي: وكان رافضيا خبيثا ذا عقل ودين صليب، وعلم بارع، وورع حاذق، كدهن على ورم، وكان [له] أخ اسمه أحمد، أسن منه وأعلم وأورع، يقال له أبو العباس المخطوم وكان بدء أمره بمكة، وتمامه بأيكجان من بلاد كتامة، حجّ فالتقى في مكة بقوم من كتامة سبعة، كانوا يتشيعون للحواني داعية المغرب قبله بأزيد من مائة سنة، فلما سمعوا كلامه أحبوه وتقربوا إليه واتبعوه، فخرج معهم إلى بلادهم أيكجان نصف ربيع الأول سنة ثمانين ومائتين، فقال لهم: أين فج الأخيار؟ «2» فعجبوا من علمه، فقالوا له: عند بني سكان، فقال: لهم نقصد وعندهم ننزل، فلما قارب المكان قال لهم: هذا فج الأخيار، وقال له موسى بن حريث: من أين علمته ونحن ما
ذكرناه لك؟ فقال:
أنتم الأخيار وبكم سمّي، فلما نزل به تسامع به الناس ودخلوا إليه، فكان يخبرهم بفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده عليهم السلام، فكثر جمعه، وجيّش جيشا، وقاتل أهل أفريقية، فافتتح ميلة ثم سطيف ثم طيبة ثم بلزمة ثم دار ملوك ثم بيحس؟ ثم باغاية ثم قسطيلة ثم قفصة ثم الاربس «1» ، وهرب زيادة الله بن الأغلب من رقادة «2» ، فدخلها الشيعي يوم الاثنين السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين، ثم جمع جموعه [ص 46] وعبّأ عساكره، وخرج يريد سجلماسة «3» يوم الخميس العشرين من رمضان منها، واستخلف على رقادة وسائر أفريقية أخاه المخطوم وأبا زاكي تمام بن معارك الأيكجاري، وكان هذا أبو زاكي تمام بن معارك أول من لاقى الشيعي، فقال له ما اسمك يا فتى؟ فقال: تمام، [فقال] : بك تتم أمورنا، فما اسم أبيك؟ قال: معارك، فقال الشيعي: لكن بعد عرك عظيم، فلما أتى سجلماسة أرسل يقول لصاحبها اليسع بن مدرار: إننا ما جئنا لقتال، ولكن بحاجة ولك الأمان والبر والإنعام، فرمى اليسع الكتاب، وضرب
أعناق محضريه، فكتب إليه ثانيا، ثم ثالثا، ففعل كفعله الأول فيهما، فناجزه الحرب، فانهزم اليسع ودخل المدينة مهزوما، ثم خرج منها فارا، فدخلها الشيعي، وأخرج المهدي، وأطلق الخيل في طلب اليسع، فأدركوه فأخذوه هو ومن كان معه، وأتوه به، فأمر باليسع فضرب بالسياط، وطيف به في العسكر، ثم أمر به وبمن كان معه فضربت أعناقهم، وذلك في ذي الحجة من السنة المذكورة، ثم أقعد المهدي وأخذ له البيعة على الناس، وقدم به دار الملك رقادة، فدخلها في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين، وأقام بها الشيعي إلى أن قتل هو وأخوه العباس المخطوم، قال: وكان سبب قتلهما أنهما ندما على إقامة المهدي وأرادا خلعه.
قلت: ولنذكر هنا ما قاله الغرناطي، وقد ذكر فرق الشيعة بعد قتل الحسين عليه السلام، فقال: تفرقوا أربع فرق، هم الأصول: علوية، وفاطمية، وحسنية، وحسينية، فالعلوية رأت الإمامة في ولد علي عموما دون تخصيص، وهم الكيسانية، وهم القائلون بإمامة محمد بن الحنفية، كما نبهنا عليه، والفاطمية رأت الإمامة في ولد الحسن والحسين ولدي فاطمة عليهما السلام، وهم الزيدية، والحسنية: وهم الذين رأوا الإمامة في الحسن ثم في ولده، ثم في عبد الله [ص 47] بن الحسن بن الحسن والد إدريس صاحب المغرب، ثم في الأدارسة بنيه أبدا، والحسينية: وهم الذين رأوا الإمامة في ولد الحسين، ثم في ولده علي زين العابدين، ثم في ولده محمد الباقر، ثم في ولده جعفر الصادق، ثم افترقوا، فرأت فرقة أن الإمامة في ولد موسى الكاظم، ثم من بعده في ولد علي الرضا، ثم في ولده علي الجواد، ثم في ولده علي بن علي الهادي، ثم في ولده الحسن العسكري، ثم في ولده محمد المنتظر، وكان حينئذ في بطن أمه، وهم الإمامية، ورأت فرقة: أن الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق، وهم الإسماعيلية، وأهل هذه الدولة منهم، وها أنا أذكرهم، فأولهم: هذا القائم بالمغرب: