الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31- المهديّ بالله
«1»
أبو محمد عبيد الله بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان رجلا حازما عازما عارفا عالما، أتقن جانبا من علم الأوائل، وأجاد في فن الروحاني، وحذا شعبة من السحر، وأورثه بنيه، وكان لا يودع إلا الأئمة منهم، وكان يشبّه في أمره بالسفاح، لقيامه بدولة أقامها بالصفاح، وكان أبو عبد الله الشيعي داعيته وساعيته حتى حاز الملك وكاده «2» ، وكان رجلا حازما بريئا من التكلف، غنيا بما يظهره من التعفف، لا يتعمق في متاع الحياة الدنيا، ولا يتعرض إلى زايد عما يحتاج إليه مدة ما يحيا، وكان يجلس على اللبود، ويأكل الخشن من الطعام، ويكتفي بجارية واحدة وغلام، وكان يظهر مظاهر الزهاد، ويقف مع ظاهر النساك على رؤوس الأشهاد، مع ما في باطنه من الداء الدوي، والمعتقد البئيس الردي، والإعلان بالسب، والإمعان في الطعن فيمن دب، وإظهار الإيمان، وإبطان الكفر، وتمزيق أهل جلدة الإسلام بالناب
والظفر، مع عدل بسط بساطه، وكان به فتور [ص 48] فكأنما حلّ من عقال نشاطه، وكانت الكتب لا تنفذ في أيامه إلا باسم ولده محمد القائم، وكان لا يسمى المهدي فيها، وبعث دعاته إلى الأرض، وبث فيها عقاربه، وبعث أقاربه، بل أراقمه، ونفث سمه من سوء الاعتقاد أو ما قاربه.
قال ابن سعيد: وعبيد الله المهدي أول خلفائهم، تشبه بالسفاح أول خلفاء بني العباس، فإن السفاح خرج من الحميمة بالشام «1» طالبا للخلافة، والسيف يقطر دما من أصد «2» ، وأبو سلمة الخلال «3» يؤسس له الأمن، ويثبت دعوته، وعبيد الله المهدي خرج من سلمية بالشام «4» ، وفي رأسه طلب الأمر، والعيون قد أذكيت عليه، وأبو عبد الله الشيعي يسعى في تمهيد دولته، وكلاهما تم له الأمر، وبايعه صاحب دعوته، وقتل عبيد الله أبا عبد الله الشيعي القائم بدولته، وأصبح أبو سلمة مقتولا في حضرة السفاح، فنسب قتله إليه، قلت: بل هو الصحيح أنه دسّ عليه من قتله، ونصب له المكيدة حتى ختله، وذكر الشريف أبو العباس أحمد بن الحسن الحسني الغرناطي خلافا كبيرا في أمر المهدي المذكور، في تاريخه، ثم قال: ولد بسلمية، وقيل ببغداد سنة ستين
ومائتين، وبويع له برقادة يوم الخميس الموفي بعشرين من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين، وهو ابن سبع وثلاثين سنة، وهو باني المهدية وغيرها، ولما ظهر أمر الشيعي القائم بالمغرب بدعوته، جعل الخليفة عليه عيونا بمصر، فوقع المهدي بمصر في زي التجار بيد صاحبها عيسى النوشري «1» ، فقال له: أنت الذي طلبه أمير المؤمنين؟ فقال: إنما أنا رجل تاجر، فاتق الله في دمي، فخلى سبيله، فخرج في قافلة يريد أفريقية، ثم أنه فقد كلبا كان يصيد به، فرجع في طلبه، وإن صاحب مصر ندم على تخليته، فخرج في طلبه فاذا [هو] راجع في طلب كلبه، فقال: لو كان هذا هو المطلوب لطلب النجاة لنفسه، ولم يرجع في طلب كلب، فانصرف وتركه، فسار حتى نزل [ص 49] طرابلس، وكان زيادة الله بن الأغلب قد أرصد عليه عيونا، فخاف عبيد الله على نفسه، فأخذ طريق قصطيلية حتى أتى سجلماسة في يوم الأحد السابع من صفر ستة وتسعين ومائتين، ومعه ابنه أبو القاسم محمد القائم، فوشى به واش إلى صاحبها اليسع بن مدرار، فأحضره بين يديه واستفهمه عن حاله، فقال: أنا رجل تاجر، فقال له: لا إنما أنت المهدي الذي يدعو إليه هذا الشيعي، فأظهر البراءة منه، وأنكر ذلك، فجعله في دار ورسم به، وأجرى عليه الأرزاق، وبلغ الشيعي خبره، فبعث أبا زاكي بمال وطرف من طرف الملوك، فأوصلها إليه مستخفيا، وسلم عليه ثم رجع إلى الشيعي فأعلمه بصحة الخبر، فسار إلى سجلماسة بجيوشه حتى استخرجه منها، كما تقدم ذكره، ثم ما زال يكلأه حتى تم أمره، وانقاد له الملك عنوة، وركب من منابره الغارب والذروة، وأطاعه الناس رهبا ورغبا، وبايعه