الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك أياما ومات، وحسب عمره فكان قد أكمل خمسا وعشرين سنة حصل له ورم حار فيه البتة من نزلة حادثة، فمات بعد ثلاثة أيام، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائتين، وكانت خلافته ستة أشهر ويومين، وعمره خمسا وعشرين سنة ونصفا، وكان أعين أقنى قصيرا مهيبا، عظيم الجثة من حدوثها، وقيل، وهو الأكثر، إنه وجد حرارة ففصد بمبضع مسموم، فمات، ومن العجب أن الطبيب الذي فصده احتاج إلى الفصد، فأمر تلميذه بفصده، فأخرج له مباضع، وفيها ذلك المبضع المسموم، وقد نسيه، ففصده به فمات، وقيل: بل أصابته علة في رأسه فقطر الطبيب ابن طيفور في أذنه دهنا، فورم رأسه ومات، وقيل: غير هذا، وكان ينشد لما اشتدت به العلة:
[الطويل]
فما فرحت بدنيا أخذتها
…
ولكن إلى الرب الكريم أصير
وما كان ما قدمته رأي فلتة
…
ولكن بفتياها أشار مشير
ويروى أنه قال لابنه لما أحس بالموت: عالجت فعولجت.
ثم:
66- دولة المستعين بالله
أبي العباس أحمد «1» بن محمد المعتصم [ص 150] ولي بالمشاورة، وبلي
بالمساورة، وغالبه المعتز حتى غلبه، وناصبه حتى ابتز منه الملك وسلبه، وكان ألثغ اللسان لا ينعش الألفاظ من عثراتها، ولا ينعم النظر في تجنب معراتها، وكان يجعل الشين ثاء، وزبد كلامه الغث كله زبدا غثاء، وكان من سفلة الخلفاء، لا يصعد به جده هاشم، ولا جده الذي هو لمعاطس الأعداء مرغم ولوجوههم هاشم، لا يطاوعه على الحزم الرأي الرائن «1» والعزم الخائب الحائن «2» ، وكان أردى في هذا من الأمين حالا، وأكدى محالا، واستوزر وزيرا ناسبه في هذه الأحوال، وحاسبه على فعله حالا فحال، حتى انحل سياج دولته، وانفل جيش صولته، وآل أمر المستعين إلى ما آل، ومال إلى سوء رأيه في سوء مآل، وكان مع هذا غير مقبول الصورة، ولا مأمول السورة، إلا أنه لم يخل من مجالس أنس، وندمان ونفس تبادر ببذل المال صرف الزمان، فكان يهب البدر «3» ، ويعد بأمثالها إذا قدر، وكان لا يمل ود الصديق، ولا يميل إلى من وشى به إصغاء التصديق، فكان فيه مما يحمد هاتان الخلتان، والحسنتان الحسنتان، وكان ينظم الشعر، إلا أنه من سقط المتاع، ويجيء به بلا كلفة، إلا أنه مما تجود به الطبيعة، وكان قد بويع بالخلافة يوم الاثنين لست خلون من ربيع