الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات [ص 32] فيه أبوه المتأيّد، وكان غير مسدد، ولا مشدد، خفيف الحصاة مخوف النادرة، ولا يضع سيفه ولا عصاه، طائش الثبات في حركاته، طائر الأناة في شكاته، تقدم بتقديم وزير أبيه وكاتبه أبي جعفر بن أبي موسى، يوم الاثنين سادس عشر المحرم سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة، وتمّت له البيعة، وخطب له بمالقة وأعمالها، وسائر أعمال أبيه، وكان رأيه لا تعلو به قوادم، ولا يقرع سن نادم، فنازعه عمه الحسن، فحاصره حصارا ضيّق عليه مهب أنفاس الهواء، وضيّع صبره في طول الثواء، فطلب منه الصلح على أنه ينخلع ويبايعه، ويسلم له منبر الخلافة ولا ينازعه، وذلك في جمادى الأولى «1» من السنة المذكورة، وكانت مدة القائم أربعة أشهر إلا أياما، ثم بقي يحيى بن إدريس خاملا لا يرفع له رأس، ولا يجتمع عليه ناس، إلى أن توفي في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وأربع مائة.
24- ذكر دولة المستنصر أبي محمّد
«2»
الحسن بن يحيى المعتلي بن الناصر علي بن حمود، صاحب سبتة، لما وصله التابوت بأخيه إدريس دفنه من ساعته، وأخذ على البيعة أيدي جماعته، ثم ركب البحر في يومه إلى مالقة، فملكها وضبطها بعد ما انخلع له ابن أخيه يحيى القائم، واستوزر كاتب أخيه أبي جعفر [بن] أبي موسى بن بقية
[وكانت ضغينة] على أخيه «1» في صدره منه يجدها، ومحنة تقدمت له به لا يجحدها، فإنه كان هو المقدم لابن أخيه، فأسرّها له في نفسه ضغينة حقدها، ونيّة أقبرها له في باطنه وألحدها، وطاوله بها إلى السنة الثالثة، ثم قتله، وأنزل به الحادثة، وكان ذلك في يوم عيد الفطر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة [ص 33] فأشام عيده، وشام من بارق المهند وعيده، بعد أن استخرج منه أموالا بسط عليه في المطالبة فيها أنواع العذاب المهين، وأبرز له فيها كوامن الداء الدفين، ثم بايعه أهل غرناطة، وبلاد أخرى من الأندلس، وانقادت له بطاعة قلوبها، وعقد نياتها التي بين جنوبها، فثبّت المملكة وشد أواصرها، ورفع قصورها ومقاصرها، ورد كيد عدوها في نحره، وأغرق راكب ثبج العزاء «2» في نحره، وعدل في أحوال الرعية، وجبى الأموال وقسمها بالسوية، ثم توفي في جمادى الأولى «3» سنة أربع وثلاثين وأربع مائة، وكانت مدتها أربع سنين كأنها يوم واحد، لأسف الناس على قصر مدتها وطيبها، وأوقاتها التي كأنما غربت شمس النهار بغروبها، ولم يترك من ورثته إلا ولدا صغيرا «4» ، فاعتقله نجا الصقلبي، وغلب على مالقة وأعمالها، واستبد بتدبير المملكة، إلى أن شحط بها قتيلا في دمه، ووضع رأسه الشامخ تحت مواطئ قدمه.
حكي أن بعض ندماء المستنصر حضر إليه، واليوم قد طرّ بالليل شارته، والأصيل قد كرع في الراح شاربه، والشمس قد اعتلت وما بها سقم لشلوه، والنهار قد قارب وحضر عود النجوم ليبكوه، فدام عنده في جنة تنعم في وطوفها، ومنة تكرم بصنوفها، حتى أقبل الليل ثم ذهب، وأطوله كاللمح