الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وما أقول هذا إطراء لنفسي، إني لظلوم لها إن لم يرحمني ربي، ولكن خرجت غضبا لله ودينه، وداعيا إلى الله وكتابه، وسنة نبيه، لما هدمت معالم الدين، وعفا أثر الحق فأطفأ نور الهدى، وظهر الجبار العنيد، المستحل لكل حرمة، الراكب لكل بدعة، مع أنه والله ما كان يصدق بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفيّي في الحسب، فلما رأيت ذلك، استخرت الله في أمره، حتى أراح الله منه، بحول الله وقوته، لا بحولي وقوتي، أيها [الناس] إن لكم أن لا أضع حجرا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا أكري فيكم نهرا، ولا أبني قصرا، ولا أكنز مالا، ولا أوثر به زوجة ولا ولدا، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد، حتى أسد ثغره، وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل فضل، نقلته إلى البلد الذي يليه، مما هو إليه أحوج، وعليكم أن لا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادكم، وعندي إدرار عطاياكم في كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر، حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن أنا وفيت لكم بما قلت، فعليكم السمع والطاعة، وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أفعل، فلكم أن تخلعوني» .
ثم لما مات يزيد بن الوليد، انبثقت البيوق «1» ، وكثرت الخوارج، ودعا كلّ إلى نفسه.
111- دولة إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك
أبي إسحاق «2» ، وكان مغلّبا لا يغلب، ومضعّفا لا يرغب ولا يرهب، عدما
في ذي وجود، ومعدما في مثل ذي مال وجنود، بايعه الناس لما ولي أخوه يزيد بالعهد بعده، وعقدوا له عقده، وما أحكموا شده، فلما مات يزيد، جدّدت له بيعة ما تمّت، وجنّدت له قلوب ما خصّت مولاتها ولا عمّت، وكان [ص 299] بدمشق ما نفذ له أمر وراء سورها، بل ولا جاز فناء دورها، وكان يخاطب تارة بالخلافة، وتارة بالإمارة، وهو كالبعير لا عير لديه ولا نكير، ولا رمح صرير، ولا سيف شهير، ولا اتباع مأمور، ولا متابعة أمير.
وقد كان حين وثب أخوه على الوليد حصاة لا يستلينها نفس بازغ، لكنه مني بعوائق الخذلان، ورمى سوابق الخلّان، خذله أصحابه، وهزله أربابه، فما همّ بأمر، فقدر عليه، ولا قهر سواه، حتى وصل إليه، ولم تكن متابعته إلا شقوة طبع بطابعها، وهفوة ضربت عنقه بأسياف مطامعها، ودام ملك بني أمية على هذا الهوان، حتى ملك مروان ورفع بالسيف هذا العار، ونزع ما جللهم من شبه هذا الرداء المعار.
وقال البلاذري، قالوا: بويع إبراهيم- وهو المخلوع، وأمه أم ولد- بالخلافة في أول سنة سبع وعشرين ومائة، بعد موت يزيد أخيه الناقص، وكان نقش خاتمه (إبراهيم يثق بالله) ، وكان مروان بن محمد بن مروان حين قتل الوليد، قدم الجزيرة فدعا إلى نفسه سرا، وسمي الوليد الخليفة المظلوم، وأظهر أنه يطلب بدمه، وقال: إنما قتلته قدرية غيلانية، فبايعه خلق من أهل الجزيرة، ثم أظهر
أمره بعد بيعة إبراهيم بنحو شهر بحرّان «1» ، وقال: أمري شبيه بأمر معاوية، حين طلب بدم الخليفة المظلوم عثمان، ثم إنه سار بأهل الجزيرة وقنسرين وحمص يريد إبراهيم، وبعث إلى الناس أن انهضوا لمحاربة هذا القدري أخي القدري الغيلاني، المبتز لأمور الناس بالبدعة والضلالة، فإن جهاده واجب على كل مسلم، فقد كنت على مجاهدة أخيه، فسبقني به أجله، فوجه إليه إبراهيم أخويه بشرا ومسرورا ابني الوليد، فأسرهما وفض عسكرهما، فوجه إليه إبراهيم بن سليمان بن هشام بن عبد الملك [ص 300] في خيول أهل دمشق، فالتقيا بعين الجر «2» من البقاع من عمل بعلبك، في صفر سنة سبع وعشرين، فتناوشوا يومهم، ثم بكروا على الحرب، فاقتتلوا أشد قتال، فانهزم سليمان ومن معه فلحق بإبراهيم. وكتب مروان إلى وجوه أهل دمشق يعلمهم أن الذين بايعوا يزيد الناقص شرارهم ورعاعهم وغواتهم، ودعاهم إلى طاعته ووعدهم ومناهم على الوفاء والإحسان، فانتقضوا على إبراهيم، ونزل مروان بن محمد الغوطة «3» ، فخرج إليه خلق فبايعوه، فلما رأى ذلك عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، ويزيد بن خالد بن عبد الله القسري، أخذا عثمان والحكم ابني الوليد فقتلاهما في محبسهما، وخافا أن يتخلصا، فكان الناس يقولون: يا معشر الفتيان أين الحكم وعثمان، وقال الشاعر حين أقبل مروان: