الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم الأحمديون من ولد أحمد بن موسى الجون، ومنهم الإدريسيون من ولد إدريس بن أبي الكرام، وقد ذكروا، ومنهم المترفيون من ولد علي المترف بن أحمد بن أبي الكرام، ومنهم الفاتكيون، من ولد الفاتك بن سليمان بن عبد الله الكامل [ص 14] ، ومنهم المصحفيون، من ولد محمد المصحفي بن سليمان المذكور، ومنهم الحنظليون، من ولد أبي حنظلة محمد بن يحيى بن عبد الله الكامل.
فأما أصحاب الدول من السليمانيين والهواشم فسنذكرهم، فأما السليمانيون، فأول مذكور من أمرائهم:
10- أبو عزيز قتادة بن إدريس
ابن مظاعن «1» بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان المذكور، وهو أساس البيت، جوار البيت المحرم، ومبتني المجد بفناء الحرم المكرم، قال الشريف الإدريسي النسابة: لا أعرف من يساوي أبا عزيز في القعدد «2» إلى أبي طالب، ورث دولة القواسم وليس منهم، إلا من جهة النساء، وكلهم إلى أبي الكرام، وساد الكراميين، وملك معظم الحجاز، واقتنى مماليك من الأتراك رماة أذل بهم
العرب، وذكر الريحاني: أن العرب لما فتكت بالركب العراقي سنة ثلاث وستمائة بنجد لما «1» بين الحرمين، كتب الإمام الناصر إلى أبي عزيز كتابا بخط ابن زيادة:«وغير خفي عن سمعك، وإن خفي عن بصرك فتك الأجاودة في آرام بكل ريم، وعيث بني حرب بين الحرمين حين غمّوا قلب كل محرم بالغميم» ، فأعجب هذا أبا عزيز فقال:
[الوافر]
[أ] يا رام فتنت بكل ريم
…
كما غمّوا فؤادي بالغميم
وفي وادي العقيق رأوا عقوقي
…
كما حطموا ضلوعي بالحطيم
ثم بدت الوحشة بين أبي عزيز والناصر، وأسرّها البغاددة «2» ، فلما أتى أمير الركب إليه بالخلع، سامه التوجه معه، فقال له: حتى أنظر، فلما نكر عليه، فأنشده:
[الطويل]
ولي كفّ ضرغام أصول ببطشها
…
وأشري بها بين الورى وأبيع «3»
تظلّ ملوك الأرض تلثم ظهرها
…
وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الرحى ثم أبتغي
…
لها خلصا إني إذا لرقيع
وما أنا إلا المسك في كلّ بلدة
…
يضوع وأما عندكم فيضيع [ص 15]
فقال له أمير الركب: هذا لا أبلّغه عنك، وأشار عليه بتجهيز ولد له في مشايخ من الشرفاء، يدخلون بغداد، وأكفانهم بأيديهم منشورة، وسيوفهم مسلولة، ويقبّلون العتبة، ويتوسلون برسول الله صلى الله عليه وسلم في
الصفح، فلما دخلوا على هذه الهيئة، والخلائق تضج بالبكاء، فعوملوا بكل حسنى، فلما بلغ ذلك أبا عزيز، كان يقول: لعن الله أول رأي عند الغضب، وتوفي أبو عزيز في عز سلطانه بمكة، سنة سبع عشرة وست مائة، وكانت مدته نحو تسع عشرة سنة، وهي السنة التي استولى فيها المسعود بن الكامل على مكة، وفر منها أمامه إمامها حسن بن أبي عزيز «1» ، وكان قد واطأ جارية لأبيه، حتى أدخلته إليه فخنقه، وأعانته الجارية، لأنها كانت قد طمعت منه بمال وعدها، وآمال جحدها، وخرج فقعد مكان أبيه والقلوب منه نافرة، والنفوس له عن البغضاء سافرة، وأكبّ عليه أخوه راجح بن أبي عزيز ووجوه الأشراف، أمير الركب العراقي، في حين قدم وقال كل منهم فيه بما علم، فغلق أبواب مكة وجمع للامتناع، ثم انسلّ من الجمع فريدا ونسل من جناح بني أبيه في البر المقفر طريدا، وأتى بغداد فمرض بها، وكان لا يزال يرى أباه يتردد إليه في منامه، ويضع يده في خناقه، فينتبه مذعورا، ويسمعه من معه في البيت يصيح وهو كالمتخبط، ويقول: بالله لا تفعل، ومات سنة ثلاث وعشرين وست مائة، وقام بعده أخوه راجح بن أبي عزيز «2» ، وكان لوفور عقله راجحا، ولحسن فعله حيث
يمم ناجحا، أخذ نفسه بسلوك الطاعة، ولزوم الجماعة، ثم ولي أبو سعيد الحسين بن علي بن أبي عزيز، وكان جوادا أبيا شهما وفيا أديبا فصيحا عربيا، ثم أتى دمشق جماز بن حسن بن أبي عزيز، وأبوه حسن المتقدم الذكر، وقد طن في رأسه طلب ملك أبيه بعد كلام [ص 16] شجر بينه وبين قريبيه، وكان قد انحمل على ابن عمه أبي سعيد الحسين بن علي بن أبي عزيز، وكان قد امتد أمره إلى مكة «1» ، وطلب من الناصر بن العزيز أن يجهزه بمال وعسكر ليخطب له بمكة، فامطله حتى ضجر، ثم بعثه مع الركب، فأفسد حال ابن عمه أبي سعيد، ثم آل الأمر إلى أنه وثب عليه فقتله واستولى على مكة، وخطب بها للناصر سنة إحدى وخمسين وست مائة، ثم كان يقول: كنت أود لي بملك أبي سعيد، مثل قوله:
[الطويل]
إلى الخيف من وادي منى والمحصب
…
أحنّ بقلب فوق جمر مقلب
وأشتاق من أرض الحجون معالما
…
ببطحائها والسوق مذ كنت مذهبي
وبي رشأ أحلى بقلبي من الغنى
…
لدى قلب ذي بخل [وحرص] مجرب «2»
وأما الهواشم فأول مذكور منهم محمد بن جعفر بن أبي هاشم «3» ، وهو
سيّد سادة، ورأس سيادة، ومثقف رأي لم يعدم سدادة، ومسدد سهم لم يحظ حظه سعادة، قال ابن الحصين: دخلت مكة سنة أربع وخمسين وأربع مائة، والفتنة قائمة بين الحسنيين والسليمانيين منهم، ولم يكن للسليمانيين رأس يقوم بهم بعد الأمير شكر، فتقدم محمد بن جعفر، وأوقع بين بني سليمان، واستولت الهواشم على مكة، وطردوا السليمانيين إلى اليمن، واستقلّ بالأمر وخطب للمستنصر الفاطمي، ثم خطب للقائم العباسي، وأبدل بياض الشعار الفاطمي بسواد الشعار العباسي «1» ، وقال وهو يخطب: الحمد لله الذي هدانا أهل بيته للرأي المصيب، وعوض بيته بلبسه السواد بعد لبسه المشيب، وأمال قلوبنا إلى الطاعة، ومبايعة إمام الجماعة، ثم تكلم بعد هذا بما يناسب، فلما انتهى قام محمد بن إبراهيم الأسدي «2» أمام قبة العباس وأنشد:
[الوافر]
بني العباس عاد الأمر فيكم
…
وإرث أبيكم أضحى مستقيما
فزمزم ليس تروي غير تال
…
مديحكم وفخركم القديما
فأظهر له القبول، ثم طلبه خفية، وقال له: ما يدخلك بين بني فاطمة وبني العباس، ثم طرده، ثم هجم المدينة وأخذها وخطب للقائم بها، وسمّي أمير الحرمين، وتوفي سنة سبع وثمانين وأربع مائة
وكانت مدته ثلاث وثلاثين سنة، ثم قام بعده ابنه قاسم، قال مؤلف الكنوز:
فزاد في الاضطراب في الخطبة على أبيه، وقطع مدته بما أسأل الله مسامحته فيه، ومات سنة ثمان عشرة وخمس مائة بعد عمر متّع به في القصف والتقلب بلغ إحدى وثلاثين سنة، ثم قام بعده أبو فليتة، فأحسن السياسة، وأحسب «1» في الرياسة، وأسقط المظالم، وأسخط بمراضي الله الظالم، وكان جوادا لا يحتجب، وشجاعا لا يغفل عما يجب، وقال يوما: اعلموا يا بني حسن، إني وجدت الرقاب ثلاثا، رقبة ملكتها بالمنن، ورقبة ملكتها بالصفع، ورقبة لم ينفع فيها إلا السيف، فقالوا: والله إنك لأعرف بما تقول وتفعل، وتوفي قتيلا بسكاكين الباطنية سنة ست وخمسين وخمس مائة، ومدته عشرون سنة، ثم قام بعده ابنه عيسى، كان صديقا للملك الناصر بن أيوب صداقة لا ينفصم عراها، ولا يوقظ كراها، وفي أيامه كان أخذ الأصطول الناصري لأصطول صاحب الكرك الفرنجي، الذي قصد ما رده الله بغيظه دونه، وأخذ ونحر من فيه بجمرة العقبة حيث تنحر البدن، ثم عزله الإمام الناصر لتقصيره في خدمة أمّه لمّا حجّت، وولى أخاه المكثر، ولم يتقدم في أهل بيته أجلّ منه ولا أجل سنا فما يؤثر عنه، هذا على قصر مدته، وتخاذل زمانه، وبنى قلعة مكة على جبل أبي قبيس «2» ، قال الريحاني: كان ذا شهامة بعيد الصيت والغور، وشعره كثير،