الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم أبك أطلالك لكنني
…
بكيت عيشي فيك إذ ولّى
والعيش أولى ما بكاه الفتى
…
لابد للمحزون أن يسلى
قال: فما زلت أزمر هذا الصوت وأكرره، وقد تناول المعتصم منديلا بين يديه، فما زال يبكي وينتحب حتى كاد بدموعه ينتقب، ثم رجع إلى منزله فاحتضر، وجاءه من الموت أمر قد قدر، وجعل يقول: ذهبت الحيلة، ليست حيلة، إلى أن مات لثمان عشرة مضت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين بسامراء، ومدته ثمان سنين وثمانية أشهر ويومان، ومولده سنة سبع وتسعين ومائة، ولما مات صنع للواثق لحنا وغنى به فيه وهو:
[الوافر]
أبت دار الأحبّة أن تبينا
…
أجدك ما رأيت بها معينا
تقطّع حسرة من حبّ ليلى
…
نفوس ما أثبن وما جزينا
ثم:
63- دولة الواثق بالله
أبي جعفر هارون «1» بن محمد المعتصم، ولما ولي استمر بعوائد أبيه وعمه
المأمون، ولاب على موارد المحنة، ولاث مفارق من خالفه بعصائبه المهينة، واشتد في التحرج بهذا المذهب، والتولج في ظلمة هذا الغيهب، وكان كريما جوادا وله اعتلاء في الأدب واعتناء به، ينسل إليه أهله من كل حدب، وكان له صنعة في الموسيقى، وروي له فيها أعمال تحرك الصخور، وتحرض سامعها على اغتنام أيام السرور، وكان مع هذا مهيبا موقرا في الصدور، موقى بمهابة أمنع من النسور، وكانت له على الأتراك حرمة خطرت على خواطرهم الخطرات، وقصرت لواحظهم تحت سجف العبرات، وكان إذ اذكر لهم تريع بهم أوهامهم وترتعد [ص 146] مفاصلهم فما تقلهم أقدامهم.
وحكى ابن أبي داود «1» عنه كلاما معناه: حضرته وهو قاعد يتنفش، وبيد بعض الغلمان مرآة كأنها درهم في كف مرتعش والغلام يتجلل فرقا، ويتكلل جبينه عرقا، كأنه في عقابيل حمّى، أو في وبيل حمّى سقي به سما، قد نكس إلى الأرض كأنه راعف، أو كأنه ينظر موضع مصرعه وهو واقف، وحكي أنه مات وأكلت السنور عينه، وغلمانه صفوف وقوف على بعد منه، فما منهم من تجاسر أن يتقدم إليه ويكشف خبره، ولا يرفع إليه طرفه ويتحقق نظره.
وعن أبي مالك جرير بن أحمد بن أبي دواد قال: قال الواثق يوما لأبي تضجرا بكثرة حوائجه، يا أحمد، قد اختلت بيوت الأموال بطلباتك للائذين بك، والمتوسلين إليك، فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق إيصال الألسن بحلو المدح فيك، قال: يا أبا عبد الله، والله لا يمنعك ما يزيد في عشقك، ويقوي من