الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرمل]
أنا لله ولله أنا
…
يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وذلك يوم الأحد سابع ذي الحجة، ثم رحل عنها في المنتصف، وحمل معه الحجر الأسود وقناديل الكعبة، وكانت من ذهب وفضة، وقرن كبش الذبيح، وكان مغشى بالذهب، مكللا بالجواهر والياقوت، وميزاب الرحمة، وكان وزنه ثلاثة قناطير من الفضة، والدرة اليتيمة، وكان وزنها أربعة عشر مثقالا، وكانت في جوف الكعبة، ثم لم يرجع من ذلك كله شىء إلا الحجر الأسود، فإنه أعيد إلى مكانه على ما أشير إليه، وكانت إعادته في خامس ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وكانت مدة غيبته عن البيت الحرام اثنتين وعشرين سنة، ثم توجه هذا القرمطي اللعين بجيوشه من مكة إلى البحرين، فنزل الأحساء، وما أبقى فيما أساء، ثم ابتلاه الله بداهية في جسده فتقطت أعضاؤه، ومات في السابع والعشرين من رمضان سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وهو ابن ثلاثين سنة.
ثم قام بعده:
54- الأعصم
وهو الحسن بن أبي منصور «1» أحمد بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنّابي،
ويكنى بأبي محمد، ثار بالأحساء وزحف لقتال المصريين وطردهم من المقام سنة ستين وثلاث مائة، فخرج إليه من مصر [ص 89] جعفر بن فلاح الكتامي «1» ، فالتقيا يوم الأربعاء الخامس من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مائة، فقتل جعفر وكثير ممن معه به، وملك الأعصم الشام كله، إلا يافا، ثم زحف إلى مصر ونزل الحب غرة ربيع الأول سنة إحدى وستين وثلاث مائة، فهلك من المصريين خلق كثير حتى أشرفوا على الهلاك، فغدرت العرب بالأعصم، وأخذوا فساطيطه، فانهزم راجعا إلى الأحساء، ثم عاد على أثره إلى الشام، ولم يزل بها إلى أن وصل المعز من القيروان إلى القاهرة يوم الأربعاء سادس رمضان سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، فخرج لحرب الأعصم بنفسه، فهزمه الهزيمة الشنعاء التي شردهم بها عن المقام، وذلك يوم الخميس سادس شعبان سنة ثلاث وستين وثلاث مائة، ومات الأعصم في طريق الأحساء في هذا الشهر، فحمل ودفن بالأحساء، وحل بجهنم، وقيل له اخسأ.
فهذه مشاهير الدول المنسوبة إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، تشتمل على حملة النسب، والدعي، والسقيم المائل، والصحيح السوي، وبها ثم ما
أشد من العصابة العلوية وقدمتهم على بني العباس لما تقتضيه الأولوية.
فأما خلافة الاجماع والإمامة التي ختمت كالشمس، ومدت أطناب الشعاع، فهي بعد خلافة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم، الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، وما سواهما كالشذوذ، وكل عقد إلا لهما فهو في حقيقة الحال منبوذ.
وأول ما نبدأ بذكر الدولة العباسية، فإنها وإن كانت المعقبة لبني أمية والآتية بعدها على ما قد كان، فأبتدئ بالأقرب مخرجا من النبعة النبوية، والأدنى إلى مناسبها الزكية، ونحن نذكر إن شاء الله تعالى دولها الشهيرة ثم نصلها بما وصل إلى مصر في أيام ملوك الأتراك وتعلل فيها دماؤهم حتى مات وقبر هناك، ثم نذكر الدولة الأموية [ص 90] ونصلها بمن دخل الأندلس وكان بها، حتى انكدر أفقهم، وطمس وهوى منهم الرفيع ودرس، إن في ذلك لعبرة، وإن فيه لما يجري للعبرة، وهي عوائد عوادي النوب، أخمدت نار كسرى، ورمت تاج قيصر قسرا، وأماتت افراسياب على شاطئ النهر قهرا، أذلت عزة بني عبد المدان، وحطت تخت تبّع من رأس غمدان «1» ، وكان الأول في ذكر سكان الأرض أن تقدم في صدر الملة الإسلامية هاتان الدولتين، ونعزل مما أناف لآل عبد المناف الذروتين، لأن أهل هاتين الدولتين من بني أمية ثم من بني العباس هم الخلفاء حقا بعد الراشدين وصدقا، لولا كذب ادعاء المعاندين، وقد ذكرنا سكان الأرض، وهذا الاسم أصدق ما أطلق على الخلفاء، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم لسان)«2» ، فهذا نص على أنهم ولاة
أمر الناس، وجميعهم لهم أتباع، وإذا كان هذا الأمر لقريش فلابد أن يكون منهم واحد يجمع أمرهم، وهو الإمام، وما من البشر مطيعهم وعاصيهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا مأموم به، وإن كان منهم عصاة أو خالع لربقة الطاعة، فإنه يلزمهم حكمه بشريعة الدين وعقيدة الإسلام، ولا يقدر يخالف في هذا أحد من المسلمين ولا ينازع مؤمن أنه داخل في إمرة أمير المؤمنين، فحينئذ الأئمة هم سكان الأرض وبقية من فيها ضميمة لهم أو كالضميمة، وعلى هذا الرأي بنينا هذا القسم من أوله، وبيّنا كثيرا من تفاصيله وجمله، فذكرنا ما نقل إلينا مما كان من بداء الخلق، ومن كان في زمان كل من الأنبياء صلوات الله عليهم والملوك المؤمنين والكفار، فإن قال قائل: فلم ذكرت الملوك قبل الإسلام مع وجود الأنبياء، ومن أولئك الملوك كفار، لا بل غالبهم، ولم نذكرهم مع الخلفاء، والأنبياء أعلا درجة من الخلفاء، وملوك الإسلام خير من ملوك الكفار؟ الجواب:
أن النبي كان يبعث إلى قومه خاصة، ولا [ص 91] تتعدى دعوته مكان بعثته، والأرض مملوءة بالملوك، ومنهم من لم يرسل في ذلك الوقت إليه، ولا إلى قومه، فاحتجنا إلى أن نذكر الملوك لهذا السبب، إذ كنا بصدد ذكر سكان الأرض، وليس في أولئك الأنبياء من له دعوة عامة، فإذا ذكر هو أو خليفة اكتفي به عن سائر الناس، ونبينا صلى الله عليه وسلم دعوته عامة، فإذا ذكر هو أو خليفته اكتفي به عن سائر الناس، كما قال تعالى مخاطبا عنه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً
«1» ، فلما كانت دعوته عامة، كانت دعوة خلفائه عامة، فلهذا لم يبق مقتض لذكر أحد معهم، فإن قال: كيف تتكلم في سكان الأرض، وإنما أنت تتكلم في واحد منهم؟ فالجواب: إنّا لو أردنا ذكر الناس رجلا رجلا، لأردنا ما ليس في الإمكان، وإنما إذا ذكرنا الخلفاء نكون كأنا ذكرنا