الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حي، وأومئ إليه بالإشارة وما أقفر حي، وكان لما أجمعت عليه الشورى وحنت إليه الآراء إربا وشورى، قد لبس بالبطائح ثياب طائح، فجهز إليه الشعار الخليفيّ، وأتاه بالسواد في حلية الشباب الفتيّ، ومما بعث إليه من الإرث الأبوي، والأثر النبوي، فلما قدم تلقي بإجلال الخلفاء، وحمالة المواكب بالسادات والشرفاء، حتى إذا دخل القصر من سعة الفضاء إلى ضيق الحصر، وطالت سني ملكه، حتى جاوزت إحدى وأربعين، وتغيرت دول الملوك ولا يجد من على الأرب يعين، فكان كلما أتى آت سلك سبيل من كان قبله من التضييق، وتركه من قبله في قصره المتسع في مضيق، وكان في صباه مقصورا على جوب وهيام، وحور مقصورات في الخيام، له كلف بالجواري والعذارى الهيف، ذات كل ردف ثقيل وخصر لطيف، وله بكؤوس المدام اهتمام، وبكوب السابقين إلى حل الغرام التيام، وبما ينفق من عمره من غير الندام اغتمام، فكان لا يبرح صريع جام ملآن، أو في استجمام لرحيق ريق فلانة أو أم فلان، فما نهضت له قط كلمة، ولا قط بالسيف رأس عدوه ولا قلمه، فكان مدة ولايته لا يضر ولا ينفع، لا ولا يرشح، لأنه يأمر لا ولا أن يشفع، فما كان على شىء كما قال قادرا، ولا وفيا ولا غادرا، ثم مات حتف أنفه، ولا شكر الناس من لينه، ولا شكوا من عنفه «1» .
ثم:
80- دولة القائم بأمر بالله [ص 170]
أبي جعفر عبد الله «2» بن أحمد القادر، ولي بعد أبيه القادر، وعهد زمانه
يعد فيه أمور كلها في النادر، ولي مرتين، وسار فيها سيرتين، فأما الأولى:
فكان فيها لصيد وقنص، وأما الثانية فكان فيها لقصيد «1» وقصص، وامتدت أيامه أكثر من أبيه، وكثر فيها تخليط أعدائه ومحبيه، وكان أرضى من أبيه نبا، وأمضى سنا، وأهب صبا، وأشب إلى العلو على صبى، وكانت همته ملوكية، وإن لم يجد سبيلا إلى اقتداح زنادها، ولا رسيلا إلى قراح عهادها «2» ، وكان لا يقنع إلا بما كان عليه أوله، ويقرع باب عزائمه، والأقدار لا تنوله، وكان لا يزال يشم من نفسه دخان أواره، ويظهر على وجهه شعاع ما لم يواره، ويكتم حاله والله مبديه، ويخاف الناس والله أحق أن يخافه ولا يخفيه، وكان ربما ألم بهبة من الطرب ونغبة «3» لا ترويه من ماء العنب، فكان ربما بسطه المدام فتحدث، ونشطه من عقال المداراة فعجل ولم يتلبث، وكانت عليه عيون موكلة بما ترى، ومسامع لا تكذب خبرا، فأغرى به قلب من كان في يديه موقرا كالمرتهن، ولديه موفرا كالممتهن، وأعان عليه حاشية سوء كانوا حوله، وأعوان سيئة لا تطيق قوته ولا حوله، وكان منهم ابن رئيس الرؤساء، وكان عدوا لأرسلان البساسيري «4» ، وهما للخلافة فالا قفي أو سيري، فظفر ابن رئيس الرؤساء
بأرسلان البساسيري، وملك فلم يسجح، وأفسد ولم يصلح، وكان الأولى بمثله وهو رب القلم، وذاك رب السيف، أن يعفو إذا قدر، ويصفو إذا كدر، إلى ما هو به جدير، ولا عاقب إلا معاقبة ضعيف لا قدير، فنكل به أشد التنكيل، ومثّل به أقبح التمثيل، وبسط عليه العذاب الأليم، وسلط العقاب على الحريم، وفعل في ذلك فعل من طنخ «1» ونوّخ بعيرا فلم ينخ، فما قنعت تلك الشوكة إلا بخلع الخليفة، والقبض عليه وإرجافه بالخيفة، وتعويقه من سما عليه في دار بالحديثة، [ص 171] وسعت في أعضاء خوله تلك الشوكة الخبيثة، وخطب ببغداد والعراق للمستنصر «2» أبي تميم معد بن الطاهر العبيدي، خليفة مصر، وحمل على أعناق المنابر ثقل ذلك الإصر «3» ، إلى أن تقضّت سنة، وما غمضت مقلا سنة «4» ، ثم انتحى له ملوك المشرق، وردوا زمانه المشرق، ومدوا ظل عصره الموفق، فتوجوا رؤوس المنابر والمرفق وأعيد إلى بغداد وأعلامه تثنّى ارتياحا وترسل للبشرى بين يديها رياحا، فدخل إلى قصره، وتوقل «5» رتبته، وخل في صدرها، وحلّى جيده بدررها، وجل به منصب الخلافة، على ما كان أو أسنا، وجدّ حتى ظفر بأعدائه، وبلغ ما تمنى، وانقرضت في أيامه دولة العجم، وانقضت بغير عود من النصال عجم، فطلع طالع الخلفاء ونجم، وصار مستقلا لو أراد الولوج على الأسد لهجم، أو العروج إلى السحاب لصار وصاب وانسجم،