الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى كلٍّ؛ فمسالة القلة والكثرة نسبية، فقد يكون نَظَرُ شَخْصٍ إلى نسبة الآيات التي ورد فيها هذا النوع إلى ما لم يرد فيه (1)، ويكون نظرُ آخر إلى عدد الأحاديث الواردة في هذا النوع بالنسبة إلى السنة عموما، ويكون نظرُ ثالث إلى عدد الأحاديث المتحصلة في هذا النوع، والنظر إليها مجردا، وهل يقدر العدد بالقلة أو الكثرة؟.
ومع التسليم بقلة ذلك، فهو بسبب وضوح معانيه عند من نزل عليهم، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، والقوم أرباب الفصاحة والبيان، لم تشبهم لكنة ولا لحن، فكانوا يفهمونه بمجرد سماعه، وما يحتاج إلى بيان من أمور العقائد والأحكام والآداب؛ فقد جاءت ببيانه السنة في أحاديث العقائد والأحكام والآداب ونحو ذلك.
وهذه المسالة -أعني مقدار الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النوع من التفسير- أحد أسباب اختيار البحث، وأهدافه.
2) التفسير الموضوعي:
بمعنى أن يستفاد من السنة النبوية في بيان الموضوع الذي تضمنته الآية تقريرا أو تفصيلا دون أن يكون في الحديث تفسير مباشر للآية.
فمثلا: عند قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24]؛ تذكر الأحاديث التالية:
(أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) قيل: يا رسول الله؛ إن كانت لكافية قال. (فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرها)(2).
(1) قال القنوجي في (فتح البيان) 1: 21: "الثابت الصحيح من التفسير المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان المصير إليه متعينا، وتقدبمه متحتما؛ هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن".
(2)
أخرجه البخاري رقم (3265) في بدء الخلق: باب صفة النار وأنها مخلوقة، ومسلم رقم (2843) في الجنة وصفة نعيمها: باب في شدة حر نار جهنم.
(ب) عن أي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم. واشتكت النار إلى رجمها فقالت: يا رب؛ أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)(1).
(جـ) عن أي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(تدرون ما هذا؟) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال:(هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)(2).
ونحوها من الأحاديث الواردة في صفة النار، وشدة حرارتها، والتخويف منها.
مثال آخر: عند قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]، يذكر ما يقرر هذا الموضوع ويبينه من الأحاديث، ومن ذلك: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر)(3).
ومثال ثالث: عند قوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]، يذكر ما ورد من الأحاديث في حقارة الدنيا، والتزهيد فيها، والترغيب في الآخرة، وأن نسبة الدنيا إلى الآخرة كنسبة ما يعلق بالإصبع إذا غُمِسَ في البحرِ إلى البحرِ كلِّه. وقد ورد في هذا المعنى أحاديثُ كثيرة.
(1) أخرجه البخاري رقم (537) في مواقبت الصلاة باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، ومسلم رقم (617) في المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، واللفظ للبخاري.
(2)
أخرجه مسلم رقم (2844) في الجنة وصفة نعيمها: باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها.
(3)
أخرجه البخاري رقم (6768) في الفرائض: باب من ادعى الى غير أبيه، ومسلم رقم (62) في الإيمان: باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه.