الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) نقد مرويات التفسير
اعتنى المتقدمون من المحدثين بمرويات التفسير ونقدها كغيرها من أبواب العلم، ولهم في ذلك أخبار وآثار، فمن ذلك: ما رواه علي بن الحسين بن واقد قال: ذهب رجل بجزء من أجزاء تفسير مقاتل إلى عبد الله بن المبارك، قال: فأخذه عبد الله منه، وقال: دعه، قال: فلما ذهب يسترده، قال: يا أبا عبد الرحمن، كيف رأيت؟ قال: يا له من علم لو كان له إسناد (1).
وقال إبراهيم الحربي: لما قرأ وكيع التفسير؛ قال للناس: خذوه، فليس فيه عن الكلبي ولا ورقاء شيء (2).
وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي: "وجماعة من العلماء كرهوا تصنيف التفسير الا ما يكون عن الثقات، وعابوا على الحسن البصري إنه لم يبين ما فسر ولم ينسعبه الى قائله"(3).
والغالب على مرويات التفسير أنها موقوفات ومقطوعات على الصحابة التابعين، كما جاء عن أحمد بن سلمة قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: ذكرت لأبي زرعة حفظ إسحاق بن راهويه، فقال أبو زرعة: ما رئي أحفظ من إسحاق، ثم قال أبو حاتم: والعجب من إتقانه وسلامته من الغلط، مع ما رزق من الحفظ، فقلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه، قال: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها (4).
(1) أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) 13: 161، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) 60:115.
(2)
أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) 13: 517.
(3)
الإرشاد في معرفة علماء الحديث 1: 396.
(4)
أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) 6: 353، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) 8:137.
وهذه الموقوفات والمقطوعات كثير منها نسخٌ ووجادات، ولذا لم يكونوا يشددون في ذلك كتشددهم في باب العقائد والأحكام.
قال يحيى بن سعيد القطان: تساهلوا في التفسير عن قومٍ لا يوثِّقونهم في الحديث، -ثمَّ ذكر ليث بن أبي سليم، وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب الكلبي- وقال: هؤلاء لا يُحمد حديثهم، ويُكتب التفسير عنهم (1).
وبين ذلك البيهقي فقال: "وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط"(2).
وقال الخطيب البغدادي: "العلماء قد احتجوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مسند الأحاديث المتعلقة بالأحكام، وذلك لسوء حفظهم الحديث، وشغلهم بالتفسير، فهم بمثابة عاصم بن أبي النجود، حيث احتج به في القراءات دون الأحاديث المسندات؛ لغلبة علم القرآن عليه فصرف عنايته إليه"(3).
وقال البيهقي: " .. وأما النوع الثاني من الأخبار؛ فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها، وهذا النوع على ضربين:
ضرب رواه من كان معروفًا بوضع الحديث والكذب فيما فهذا الضرب لا يكون مستعملاً في شيء من أمور الدين إلا على وجه التليين.
وضرب لا يكون راويهِ متَّهماً بالوضع، غير إنه عُرفَ بسوء الحفظِ وكثرة الغلطِ في روايته، أو يكون مجهولاً لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول.
(1) أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) 1: 35، والخطيب في (الجامع) 2:286.
(2)
(دلائل النبوة) 1: 37.
(3)
(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) 2: 286.
فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملاً في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولةً عند الحكَّام، وقد يُستعمل في الدعوات، والترغيب والترهيب، والتفسير، والمغازي؛ فيما لا يتعلق به حكمٌ" (1).
ومن الأمثلة التطبيقية: محمد بن السائب بن بشر الكلبي، قال عنه أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه، لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث (2).
وفي التقريب: متهم بالكذب، ورمي بالرفض. مات سنة 146 هـ (3).
وقال ابن عدي في آخر ترجمته: "حدث عن الكلبي: الثوريُّ وشعبةُ وإن كانا حدثا عنه بالشيء اليسير غير المسند، وحدث عن الكلبي ابنُ عيينة وحماد بن سلمة وإسماعيل بن عياش وهشيم وغيرهم من ثقات الناس، ورضوه بالتفسير .. "(4). بمعنى أنهم قبلوا ما يأتي به من التفسير فيفرق بين أقواله وروايته.
وقال عثمان بن زائدة الرازي: قدمت الكوفة قدمة، فقلت لسفيان الثوري: من ترى أن أسمع منه؟ قال: عليك بزائدة وسفيان بن عيينة، قلت: فأين أبو بكر بن عياش؟ قال: إن أردت التفسير فعنده (5).
وقال علي بن المديني في عبد الله بن أبي نجيح: أما التفسير؛ فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة (6).
(1)(دلائل النبوة) 1: 33 - 34.
(2)
ينظر: الجرح والتعديل 7: 270.
(3)
ينظر: التقريب ص 479.
(4)
الكامل 6: 120.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 1: 81.
(6)
ينظر: سير أعلام النبلاء 6/ 126.
وقال الإمام أحمد: "يكتب من حديث أبى معشر أحاديثه عن محمد بن كعب القرظي في التفسير"(1).
وعن أبي خليد عتبة بن حماد قال: "سألني سعيد بن عبد العزيز فقال: ما الغالب على علم سعيد بن بشير؟ قلت له: التفسير، خذ عنه التفسير ودع ما سوى ذلك، فإنه كان حاطبَ ليل"(2).
وقال ابن عدي: "والضحاك بن مزاحم عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه؛ ففي ذلك كله نظر، وإنما اشتهر بالتفسير"(3).
وذكره الذهبي في كتابه (المغني في الضعفاء)(4)، وقال:"وهو قوي في التفسير".
وقال الخليلي في ترجمة (مقاتل بن سليمان): "محله عند أهل التفسير والعلماء محل كبير، واسع العلم، لكن الحفاظ ضعفوه في الرواية"(5).
وقال أحمد بن سيار المروزي: جويبر بن سعيد .. صاحب الضحاك .. حاله حسن في التفسير، وهو لين في الرواية (6).
ومن الأمثلة التطبيقية في التعامل مع مرويات التفسير وغيرها؛ ما نراه من صنيع الإمام ابن جرير الطبري، فنجده ينقد المرويات على طريقة المحدثين في كتابه (تهذيب الآثار) بينما يندر أن نجد ذلك في تفسيره.
ولعل النكتة في ذلك؛ أن القرآن اشتمل على أصول الشريعة من العقائد والأحكام والآداب والتذكير، والكلام على تفسير القرآن ببيان معناه يتطلب الكلام على ذلك فيكون
(1) أخرجه ابن عدي في (الكامل) 7: 52.
(2)
أخرجه العقيلي في (الضعفاء) 2: 100، ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق) 21:28.
(3)
الكامل 4: 96.
(4)
312:1.
(5)
الإرشاد 3: 928.
(6)
تهذيب التهذيب 2: 107.
التشديد في مرويات العقائد والأحكام، أما ما كان من المرويات في بيان معاني الألفاظ -وهو من صميم التفسير- فالأمر فيه أخف، كما ذكر ذلك الإمام البيهقي رحمه الله.
ثم توالت القرون، وجهود المحدثين بارزة في خدمة تفسير كلام الله تعالى، حتى ظهر عند بعض المتأخرين من المهتمين بالحديث وعلومه العناية بذلك بتخريج المرويات الواردة في بعض كتب التفسير، وأفردوها بالتصنيف، ومما وقفت عليه في هذا الباب:
1 -
الإسعاف بأحاديث الكشاف (1):
للحافظ جمال الدين الزيلعي (762 هـ)، وهو تخريج للمرويات الواردة في تفسير (الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) للزمخشري (538 هـ)، وقد حققت أجزاء منه في رسائل علمية (2)، ثم طبع كاملا في أربعة مجلدات بعناية: سلطان الطبيشي، وتقديم الشيخ عبد الله السعد.
(1) عقد د. علي بادحدح في رسالته للدكتوراه في تحقيق هذا الكتاب (من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سررة المائدة) مبحثا في: اسم الكتاب ص 138 - 139، ورجح الاسم المذكور (الإسعاف بأحاديث الكشاف)، وقال: "وقد رأيت اعتماد هذه التسمية، وإثباتها عنوانا للكتاب وذلك لعدة اعتبارات
…
" ثم ساقها، لكن الغريب أنه أثبت العنوان على غلاف الرسالة بخلاف ما رجحه، بل أثبته كا خرج في المطبوع:(تخريج الأحاديث والآثار الواتعة في الكشاف للزمخشري).
(2)
ومما وقفت عليه من الرسائل بعد البحث:
(أ) تحقيق الكتاب (من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة المائدة)، رسالة دكتوراه للباحث د. علي بادحدح. جامعة أم القرى عام 1416 - 1417 هـ.
(ب) تحقيق الكتاب (من أول سورة الأنعام بلى آخر سورة يونس)، رسالة دكتوراه للباحث د. عبد العزيز السديري. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1418 هـ.
(جـ) تحقيق الكتاب (من أول سورة سبأ بلى آخر سورة الناس)، رسالة دكتوراه للباحث د. محمد أحمد باجابر. جامعة أم القرى عام 1416 هـ.
2 -
الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف:
للحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ)، وهو تلخيص للكتاب السابق، مع زوائد وفوائد من إمام محقق متضلع في علوم الحديث.
قال في مقدمة الكتاب: "هذا تخريج الأحاديث الواقعة في التفسير المسمى بـ (الكشاف)، الذي أخرجه الإمام أبو محمد الزيلعي، لخصته مستوفيا لمقاصده، غير مخل بشيء من فوائده، وقد كنت تتبعت جملة كثيرة لاسيما من الموقوفات فاته تخريجها، إما سهوا، وإما عمدا
…
" (1).
3 -
الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي:
للشيغ زين الدين عبد الرؤوف المناوي (1031 هـ)، وتفسير البيضاوي (691 هـ) هو المسمى:(أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، والمناوي ليس معدودا من المحدثين لكني ذكرته -وكذا من بعده- تبعا للفائدة.
والكتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات بتحقيق: أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي.
4 -
تحفة الراوي في تخريج أحاديث تفسير البيضاوي:
لابن همَّات الدمشقي (1175 هـ)، وهو مخطوط،. يقول عنه أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي:"هو أوسع كتاب في تخريج أحاديث البيضاوي وآثاره ويقع في (330) ورقة بخط دقيق، وفي كل صفحة (29) سطرا، في حين يقع كتاب المناوي في (71) ورقة بخط أكبر من خط كتاب ابن همات، وفي كل صفحة (25) سطرا"(2).
ومما يدخل في هذا الباب جهود بعض الأئمة في تخريج الأحاديث والآثار المتعلقة بالتفسير، والكلام عليها أثناء كتب التفسير كما صنع الحافظ ابن كثير في تفسيره، والحافظ
(1) الكافي الشاف ص 5.
(2)
مقدمة (الفتح السماوي) 1: 61.
السيوطي في (الدر المنثور)، أو كلام بعض الأئمة عليها في كتب الشروح كما صنع الحافظ ابن حجر في شرح كتاب التفسير من صحيح البخاري في كتابه الفذ (فتح الباري) وهكذا ما كتبه عليه في (تغليق التعليق)، أو كلامهم عليها في الكتب الجوامع كما صنع الإمام ابن الأثير في (جامع الأصول)، والحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد).
وبعد .. فهذه إلماعة إلى جهود المحدثين في علم التفسير الذي يتعلق بكتاب الله تعالى، فرحمهم الله ونضر وجوههم كفاء ما بذلوه في خدمة الكتاب والسنة، ونشر علومهما في الأمة.
القسم الثاني
جمع الأحاديث المرفوعة
في التفسير الصريح ودراستها
-مرتبة على سور القرآن الكريم-