الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه:
أشار الكتاني في (نظم المتناثر) ص 233 إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما المرفوع، وما قيل فيه، ثم قال:"ووردت -أي قصة هاروت وماروت- مرفوعة أيضًا باختصار، من حديث علي رضي الله عنه، أخرجه ابن راهويه في مسنده، ومن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي الدنيا في (ذم الدنيا) ".
قلت: وما ذكره فيه أمران:
1 -
حديث أبي الدرداء المشار إليه أخرجه ابن أبي الدنيا في (ذم الدنيا) ص 75 رقم (132)، ومن طريقه: البيهقي في (شعب الإيمان) 7: 339، من طريق عتبة بن أبي حكيم، أخبرنا أبو الدرداء الرهاوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت)، وهذا ليس فيه تعرض للقصة فلا يصح عده شاهدا للحديث.
2 -
أن ظاهر كلامه يوهم أن راوي الحديث: أبو الدرداء عويمر الأنصاري رضي الله عنه الصحابي المشهور، والواقع أنه ليس كذلك، بل هو أبو الدرداء الرهاوي، وقد ذكره ابن عبد البر في (الاستغناء) 2: 1173 وقال: "أبو الدرداء الرهاوي، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بالمعروف،، وذكره الذهبي في (المقتنى في سرد الكنى) 1: 226 وقال: "أبو الدرداء الرهاوي، عن صحابي، وعنه: عتبة بن أبي حكيم".
فتبين أن الحديث ضعيف لانقطاعه، وجهالة أبي الدرداء، وكذا عتبة بن أبي حكيم متكلم فيه.
ينظر ترجمته في (تهذيب الكمال) 19: 300.
الحكم على الحديث:
هذا الحديث لا يصح مرفوعًا، والأظهر أنه مما أخذه ابنُ عمر عن كعب الأحبار. وسال ابنُ أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال -كما في العلل 2: 69 (1699) -: "هذا حديث منكر".
وقال الإمام أحمد -كما في (المنتخب من العلل للخلال) لابن قدامة ص 296 - : "هذا منكر، إنما يروى عن كعب".
وقال البيهقي في (شعب الإيمان) 1: 181 عقب إخراج الحديث مرفوعًا: "ورويناه من وجه آخر عن مجاهد، عن ابن عمر، موقوفا عليه، وهو أصح، فإن ابن عمر إنما أخذه عن كعب".
ثم أخرجه من طريق ابن عمر عن كعب، وقال:"وهذا أشبه أن يكون محفوظًا".
ثم أعاده 5: 292 وقال: "هذا هو الصحيح من قول كعب".
وقال ابن الجوزي في (الموضوعات) 1: 186 - كما سبق-: "هذا حديث لا يصح".
وقال ابن كثير في تفسيره 1: 353 - بعد أن ساق الحديث من المسند مرفوعًا-: "هذا حديث غريب من هذه الوجه .. " ثم ذكر له المتابعتين الأولين اللتن ذكرتهما في المتابعات، وقال:"وهذان أيضًا غريبان جدًا، وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار لا عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وذكر رواية سالم عن أبيه عن كعب، وقال -1: 354 - : "فهذا -يعني طريق سالم- أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل، والله أعلم".
وقال 1: 360: "وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين؛ كمجاهد، والسدي، والحسن البصري، وقتادة وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق
القرآن إجمال القصة، من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن، على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال".
وأشار إلى القصة في (البداية والنهاية) 1: 83 وقال: "وقد روى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه في ذلك حديثا، رواه أحمد عن يحيى بن أبي بكير، عن زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، -وذكر القصة بطولها .. - وقد رواه عبد الرزاق في تفسيره، عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن كعب الأحبار به، وهذا أصح وأثبت".
وقابل هؤلاء: ابن حبان، فصححه مرفوعًا، حيث أخرجه في صحيحه. وتجلد الحافظ ابن حجر في الدفاع عن هذه القصة، والانتصار لتقويتها، فقال في (القول المسدد) ص 39 - بعد أن ذكر حديث ابن عمر وما قيل فيه-:"وله طرق كثيرة، جمعتها في جزء مفرد، يكاد الواقف عليه أن يقطع وقوع هذه القصة، لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارج أكثرها، والله أعلم"، وانظر:(فيض القدير) 1: 181.
وقال -في (فتح الباري) 10: 235 - : "وقصة هاروت وماروت، جاءت بسند حسن، من حديث ابن عمر، في مسند أحمد. وأطنب الطبري في إيراد طرقها، بحيث يقضى بمجموعها على أن للقصة أصلا، خلافًا لمن زعم بطلانها، كعياض ومن تبعه".
وأشار في (العجاب) 1: 326 إلى ترجيح بعض الأئمة لرواية سالم عن أبيه عن كعب، على رواية نافع بالرفع، وقال:"لو لم يرد في ذلك غير هاتين الروايتين؛ لسلمت أن رواية سالم أولى من رواية نافع، لكن جاء ذلك من عدة طرق عن ابن عمر، ثم من عدة طرف عن الصحابة، ومجوع ذلك يقضي بأن للقضية أصلا أصيلا، والله أعلم".
وذكر وجها للجمع بينهما، فقال 1: 326: "رواية كعب مختصرة جدًا، فيحتمل أن يكون ابن عمر استظهر برواية كعب؛ لكونها توافق ما حمله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال في (العجاب) 1: 331: "طعن في هذه القصة من أصلها بعض أهل العلم ممن تقدم، وكثير من المتأخرين، وليس العجب من المتكلم والفقيه، إنما العجب ممن ينتسب إلى الحديث، كيف يطلق على خبر ورد بهذه الأسانيد القوية، مع كثرة طرقها، أو تباين أسانيدها، أنه باطل، أو نحو ذلك من العبارة مع دعواهم تقوية أحاديث غريبة، أو واردة من أوجه لكنها واهية، واحتجاجهم بها، والعمل بمقتضاها".
قلت: وجرى كثير من المفسرين، وغيرهم من أهل العلم، على إنكار هذه القصة المذكورة (1)، وما ذكره ابن حجر جار على قواعد المتأخرين في هذا الفن، وما ذكره الأئمة المتقدمون أولى، لأنهم أعلم بهذا الشأن، ورواة الوجه المرفوع ليسوا في منزلة من يقبل تفردهم، فضلا عن مخالفة من هو أقوى منهم، وأولى بالتقديم.
لكن يبقى أثر علي رضي الله عنه الموقوف لفظًا، المرفوع حكمًا، ونصه:(كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس، وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت، فراوداها عن نفسها، فأبت عليهما. إِلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء، فعلماها، فعرجت إلى السماء، فمسخت كوكبا).
وعند التأمل ومقارنته بحديث ابن عمر، نجد أنه لم يحصل من الملكين فعل من تلك الكبائر، غاية ما هنالك؛ أنهما راوداها عن نفسها، فأبت إِلا بشرطها، أما في حديث ابن عمر فقد وقع منهما موبقات عظيمة من شرب المُسْكرِ، والزنا بالمرأة، وقتل الصبي، بل في ظاهر الحديث ما هو أشنع من ذلك، وهو الشرك بالله، فقد جاء فيه:" .. فلما أفاقا، قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي؛ إِلا قد فعلتما حين سكرتما .. " وفي أول الحديث: "فجاءتهما فسألاها نفسها، فقالت: لا والله؛ حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك .. ".
(1) انظر التعليق على كتاب (العجاب) 1: 332 فقد تتبع المحقق أسماء من أنكرها أو تجاهلها، مع توثيق ذلك عنهم.