الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا يظهر أن دائرة البيان النبوي للقرآن الكريم بهذا النوع واسعة.
وقد توسع بعض المفسرين في هذا الباب حتى صارت تفاسيرهم أشبه بالكتب الجوامع، وقد انتقد الإمام الشوكاني هذا المسلك، فقال في صدر تفسير سورة الإسراء:"واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير؛ ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة"(1).
3) التفسير اللغوي:
بمعنى أن يستفاد من السنة في بيان المعنى اللغوي للفظة من ألفاظ القرآن.
وهذا النوع لم يكن موجها للصحابة رضي الله عنه؛ لأنهم عرب أقحاح، لم تشبهم عجمة أو لكنة، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، لذا لم يكونوا محتاجن إلى بيان الغريب ومعاني مفردات القرآن كحاجة من بعدهم، وإنما استفاد من هذا النوع من البيان من جاء بعد تأثر العربية عند العرب، وضعف اللسان بها، ففزع أهل العلم إلى موروث العرب -نثرا وشعرا- لفهم الغريب ومعاني مفردات القرآن، وأفصحُ العرب محمدٌ صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى.
ولعلي أضرب على ذلك مثالين:
1 -
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خبل شمس؟! اسكنوا في الصلاة)، قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقا، فقال:(مالي أراكم عزين؟) قال: ثم خرج علينا فقال: (ألا تصفون كما تصف
(1) فتح القدير 3: 208.
الملائكة عند ربها) فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال:(يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف)(1).
فهذا الحديث يفيد في فهم معنى لفظة (عزين) الواردة في قوله تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج: 36، 37].
2 -
عن فاطمة بنت أبما حبيش رضي الله عنه أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنما ذلك عرقٌ، فانظري، إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مرَّ القرء فتطهري، ئم صلي ما بين القرء إلى القرء)(2).
فهذا الحديث يفيد في بيان معنى القرء في اللغة، وأنه الحيض (3)، ولا يمنع أن يكون للقرء معنى آخر في اللغة، ولذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم وهم العرب الفصحاء- في
(1) أخرجه مسلم رقم (430) في الصلاة: باب الأمر بالسكون في الصلاة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (خيل شمس) هو بإسكان الميم وضمها، وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها. ينظر: شرح النووي 4: 152.
(2)
أخرجه أحمد 6: 420، 463، وأبو داود رقم (280) في الطهارة: باب في المرأة تستحاض، والنسائي في الصغرى رقم (211) في الطهارة: باب ذكر الأقراء، وفي (الكبرى) 1: 158 رقم (214)، وابن ماجه (620) في الطهارة: باب ما جاء في المستحاضة والطحاوي في (شرح مشكل الآثار) 7: 160، والببهقي في (السنن الكبرى) 1: 331، وغيرهم، من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة، أن فاطمة بنت أبي حبيش. فذكرته.
والحديث جاء من غير هذا الطريق، ووقع فيه اختلاف، كما اختلف في الخبر أهو من مسند فاطمة بنت أبي حبيش، أم سمعه عروة من عائشة في قصتها، وتحقيق القول في خبر استحاضة فاطمة يطول جدا، والمقصود هنا ذكر المثال.
وقد صحح الحديث جماعة من المتأخرين، منهم الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على سنن ابن ماجه ص 120.
(3)
قال النسائي في (المجتبى) 1: 121 - عقب رواية الحديث-: "هذا الدليل على أن الأقراء حيض".