الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
ألا إن المشركين حين يسمعون الدعوة إلى الله، وما يقوم به الرسل من البشارة والإنذار يثنون صدورهم، ويعرضون عنه ويستدبرون الرسول عند تلاوة القرآن حتى لا يراهم أحد وقد ظهرت عليهم علامات الحقد والحسد والكراهية عند وقوع القوارع والحجج التي هي كالصواعق عليهم أو أشد.
ألا حين يستغشون ثيابهم، ويغطون بها أجسادهم، حين يخلون وأنفسهم فتظهر على حقيقتها، والمراد أنهم لجهلهم يظنون خطأ أنهم لو يثنون صدورهم، ويلتحفون بأثوابهم لا يراهم الله يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ.
ألا فالله يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يسرون وما يعلنون، وهو العليم بذات الصدور.
وقد أوجب الله على نفسه بمقتضى رحمته وكرمه، وقدرته وعلمه. أوجب على نفسه أنه ما من دابة من أنواع الدواب توجد على ظهر الأرض أو في جوف البحر، أو بين طيات الصخر. أو تطير في الجو، إلا على الله رزقها وغذاؤها المناسب لها، هدى كل دابة إلى ذلك بمقتضى الغريزة والطبيعة الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [سورة طه آية 5] لكل دابة رزقها المهيأ لها الواصل إليها بعد البحث والعمل.
وهو- سبحانه- يعلم مكان استقرارها، ومكان استيداعها فهو يعلم مستقرها في الأصلاب أو الأرحام، ويعلم مستودعها في الأرحام أو بطن الأرض، كل ذلك من رزق واستقرار وتغيير واستيداع ثابت مرقوم في كتاب ظاهر معلوم كتب الله فيه قضاءه وقدره ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام آية 38] .
وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام، يومان لخلق الأرض، ويومان لخلق أقوات الخلق وما يتبعه، ويومان لخلق السموات السبع كما هو مفصل في سورة فصلت من «الحواميم» الآيتان 9 و 10.
والأيام هنا المراد بها: الأوقات التي لا يعلم تحديدها إلا الله- سبحانه وتعالى خلق السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام، وكان عرشه على الماء أى: وكان عرشه قبل السموات والأرض على الماء، وهل المراد بعرشه تصريفه وملكه أو هو شيء مادى آخر؟ الله أعلم بكتابه مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [سورة آل عمران آية 7] .
يقول الله- سبحانه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. وصدق الله العظيم.
وإنى أحب أن أقول: إن القرآن الكريم لم يأت كتابا علميا يفصل نظريات ويشرح قواعد علمية. وإنما جاء يعالج أمة بل العالم كله، يعالجهم من ناحية التشريع والحكم، ومن ناحية العمل والفقه، ومن ناحية السياسة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ولذلك من يتعرض لاستنباط النظريات العلمية الدقيقة من القرآن، ويحاول أن يحمل الألفاظ ما لا تطيق، إنما هو باحث عاطفى.
ولكن القرآن الكريم لا يتعارض مع النظريات- أيضا- وإن تعارض ظاهره فإن الواجب علينا أن نرجع إلى أنفسنا ونعيد الفهم والتطبيق في النظريات العلمية. وهي محل بحث ونظر وقد تعدل أو يرجع عنها أصحابها فلا نجد في النهاية تعارضا وعلى ذلك يمكننا أن نفهم قوله- تعالى-: وكان عرشه على الماء.
والعرش هو التصريف والملك والأمر والحكم على رأى الخلف، والسلف يرون أن العرش هو العرش بلا تأويل، والله أعلم بحقيقته.
وأما الماء الذي كان قبل خلق السموات والأرض فهو الدخان الذي ذكر في الآيتين 9 و 10 من سورة فصلت، وهو الموافق لنظرية السديم، ونظرية التكوين العلمية توافق نظرية القرآن في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [سورة الأنبياء آية 30] كما توافق خلاصة البحث العلمي.
قبل أن تتكون الكواكب والنجوم كان الفضاء مملوءا بذرات دقيقة صغيرة تشبه الدخان والماء يقال لها السديم، وكان لكل ذرة من هذه الذرات السديمية خاصيتان خلقهما الله في الذرة (الدوران حول النفس والجاذبية) ثم أخذت هذه الذرات في التجمع بسبب الجاذبية والدوران، ونتج عن ذلك التجمع احتكاك تولد عنه الحرارة والالتهاب والضوء، وهذه هي العناصر التي تتصف بها الشمس وتميزها عن الكواكب المعتمة المظلمة، نشأ عن ذلك الاحتكاك وعن هذه الحرارة أن كان قرص الشمس رخوا. ومن شدة الحرارة وسرعة دوران الشمس حول نفسها انفصلت أجزاء منها وكونت ذلك الكوكب الذي نعيش عليه (الأرض) وأخذت الأرض تفقد حرارتها
بالإشعاع إلى أن بردت وأمكن الحياة عليها بعد أن صار فيها الماء واليابس، وظل باطنها كما هو حار بدليل البراكين والزلازل.
ولجميع الكواكب والنجوم التي انفصلت عن الشمس خواص الذرات السديمية فالأرض مثلا تدور حول نفسها، وتجذب ما فوقها وصدق الله- تعالى-: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يس آية 40] .
ويمكن أن نستنتج الحقائق العلمية التالية التي تؤكد ما جاء في القرآن:
1-
قبل خلق السماء والأرض كانت هناك ذرات تشبه الدخان والماء هي أصل ذلك الكون.
2-
أن السموات وما فيها والأرض كانتا رتقا واحدا أى جزءا واحدا ففصلهما الله على النحو المذكور سابقا، وجعل بينها الهواء الذي كان له الأثر الفعال في فقدان الأرض حرارتها لنعيش عليها، وهذا الهواء المتحرك المتنقل على هيئة رياح سريعة هو سبب سقوط الأمطار وتكوين البحار والأنهار، والماء أساس كل شيء حي، فالله فتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ وهذا رأى في تفسير الفتق غير الماضي.
3-
ليس هناك جرم محسوس ملموس اسمه السماء بل السماء هي الفضاء اللانهائى الذي لا يعلمه إلا الله، ويحتوي على سائر الكواكب والنجوم، ومن الجائز أن السموات السبع هي المجرات.. والمجرة هي مجموعة الكواكب والنجوم التي ترتبط مع بعضها في أفلاك ومدارات محدودة، وتشغل جانبا معلوما من الكون، وهذه المجرات قد سواها الله في طبقات بعضها فوق بعض.
تلك نظرية العلم وهذا رأيه وإن كان ظاهر نصوص القرآن يفيد بأن السماء جرم وقد قلنا أن الأمور الغيبية يجب أن نعلمها كما ورد في القرآن وليس من الدين في شيء البحث الدقيق في تكوينها وما هي عليه ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة الآيتان 2 و 3] .
وعلى المسلم أن يقف في أمر دينه عند نصوص قرآنه فإن أراد البحث العلمي الدقيق فليبحث وفي النهاية سيلتقى مع نظرية القرآن.