الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تَشْخَصُ ترفع مُهْطِعِينَ مسرعين إلى الداعي مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ ناظرين بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ لا ترجع إليهم بأبصارهم، وأصل الطرف تحريك الأجفان وسميت العين طرفا لأنه يكون بها أَجَلٍ أى زمن قريب مِنْ زَوالٍ من انتقال مُقَرَّنِينَ مشدودين مع بعض فِي الْأَصْفادِ القيود واحدها صفد سَرابِيلُهُمْ جمع سربال وهو القميص قَطِرانٍ القطران والهناء شيء كالزفت تدهن به الجمال من الجرب بَلاغٌ كفاية في العظة والتذكير..
بعد ما ذكر الله- جل شأنه- حال الذين بدلوا نعمة الله وجزاءهم، وما يجب أن يكون عليه المؤمنون من العبادة وإقامة أحكام الدين ثم ذكر مقالة إبراهيم ودعاءه لبنيه علهم يتعظون، ذكر الله هنا هذا التهديد الشديد للكفار مع ذكر بعض مشاهد يوم القيامة ليعلم الجميع عاقبة الكفر ومآله!!
المعنى:
ولا تحسبن يا محمد أن الله غافل عما يفعله الظالمون، بل هو محصيه ومحيط به وسيجازيهم على ذلك. فلا تظن أن الله يهملهم لا إنه يمهل ولا يهمل، وهو يملى للظالمين، ولكن لا عن غفلة بل عن حكمة ودقة، إذ اقتضت حكمته أن تكون الدنيا أهون عند الله من جناح بعوضة فليست محل عقوبة بل عقوبتهم يوم القيامة إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وأمثاله كقوله: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة الأنعام آية 14] وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [سورة الشعراء آية 213]
من باب [إياك أعنى واسمعي يا جارة] ففي الظاهر خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الواقع هو لأمته.
وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتطمين لخاطره.
إنما يؤخر هؤلاء الكفار وعذابهم ليوم القيامة تشخص فيه الأبصار، وترتفع إلى السماء من شدة ذهولهم، واضطراب نفوسهم.
مهطعين إلى الداعي ومسرعين نحوه، مقنعي رءوسهم ورافعيها مع دوام النظر من غير التفات إلى شيء أبدا، وكيف لا؟ وهو يوم الذهول ويوم الصاعقة والحاقة والصاخة، ويوم الفزع الأكبر لمن لم يعمل له، مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم ولا يطرفون أبدا من شدة الهول، وسوء الفزع، وأفئدتهم مضطربة متحركة كالهواء المتحرك وهذا حالهم يوم الفزع الأكبر؟
وأنذر الناس جميعا يوم يأتيهم العذاب فيقول الظالمون هلعا وجزعا: ربنا أرجعنا إلى الدنيا وأعطنا مهلة قليلة نجب فيها دعوتك إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لك، ونطيع فيها الرسل. ثم انظر إلى الرد عليهم.
أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال أبدا!!؟ يقال لهم توبيخا: ألم تقسموا في الدنيا أنكم إذا متم فلا بعث ولا حساب؟!! ولا زوال ولا انتقال لحياة أخرى! وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [سورة النحل آية 38] .
وقد سكنتم في مساكن الظالمين لأنفسهم، وعرفتم مآلهم وعاقبتهم. وتبين لكم كيف فعلنا بهم حينما كفروا وعصوا الرسل، وضربنا لكم الأمثال، ولكنكم لم تعتبروا ولم تتعظوا..
وها هي ذي حالكم الآن تتغير عن حالهم، وقد مكروا مكرهم جهد طاقتهم، وعند الله مكرهم لا محالة فكل شيء مكتوب ومسجل عليهم وسيحاسبهم الحساب الشديد. وما كان مكرهم لتزول منه الآيات الرواسخ بل هي كالجبال الشم، وكيف يتم لهم ما أرادوا، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
وإذا كان الأمر كذلك فلا تحسبن الله مخلف وعده لرسله حيث يقول كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والله لا يخلف الميعاد أصلا مع الكل فكيف يخلف وعده مع رسله وأحبابه؟ إن الله عزيز لا يغلب ذو انتقام، وهذا تذييل للآية
مناسب، والله هو المنتقم الجبار يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات كذلك وهل تبدل في الشكل والموضوع أو الشكل فقط؟ أو تغير الحقيقة كلها؟ الله أعلم بذلك.
وبرزوا لله الواحد القهار، وترى المجرمين يومئذ مشدودين بعضهم مع بعض ومشدودين أيديهم إلى أرجلهم تراهم مقرنين ومشدودين في الأصفاد والأغلال والقيود..
سرابيلهم من قطران- يا سبحان الله أنت الواحد القهار- والكافرون يوم ذاك في غاية الذلة والضعف مقرنون في الأصفاد والأغلال، ولهم سرابيل من القطران وتغشى وجوههم النار.
وفي هذا إيلام لهم شديد لأمور:
1-
كونهم في الأغلال مع بعض «فكبكبوا فيها هم والغاوون» .
2-
كون قميصهم من القطران، والمراد أن جلودهم تطلى بالقطران حتى تسرع النار في الاشتعال مع سواد البشرة ونتن الرائحة.
3-
كون وجوههم تعلوها النار وتغشاها وهي محط كبرهم في الدنيا يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [سورة القمر آية 48] .
كل ذلك ليجزي الله كل نفس ما كسبت فمن يعمل صالحا يجز به، ومن يعمل سوءا يجز به جزاء وافيا: إن الله سريع الحساب، وشديد العقاب.
هذا القرآن الكريم بلاغ للناس، وأى بلاغ أقوى من هذا؟
ولينذروا بعقابه ويبشروا بثوابه، وليعلموا أنما هو إله واحد وليتذكر أولو الألباب والعقول الراجحة..