الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أوحينا إليهم وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً لتستكبرن على الله ولتستعلن على الناس بالبغي والظلم مجاوزين الحدود أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أصحاب قوة وبطش في الحروب فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ في القاموس الجوس بالجيم طلب الشيء باستقصاء مع التردد خلال الديار والبيوت ففي اللفظ معنى للتفتيش والتنقيب خلال الديار أى: وسطها ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ المراد ثم رددنا لكم الدولة والغلبة عليهم أَكْثَرَ نَفِيراً النفير من ينفر مع الرجل من عشيرته، وقيل: جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو وَلِيُتَبِّرُوا أى: يهلكوا ما عَلَوْا أى:
مدة علوهم واستكبارهم، وقيل المراد: البلاد التي علوها وغلبوا أهلها حَصِيراً سجنا ومحبسا إذا الحصر والحصير فيه معنى المنع والحبس.
وهذا امتداد للكلام على بنى إسرائيل، وبيان لتاريخهم وما ينتظرون من بيان بعض الحكم النافعة.
المعنى:
وأوحينا إلى بنى إسرائيل في التوراة وحيا مقضيا أى: مقطوعا بحصوله بأنهم يفسدون في الأرض مرتين.
وأقسمنا لتفسدن في أرض الشام وبيت المقدس أو في كل أرض تحلون فيها لتفسدن مرتين، ولتفسدن نفوسكم بمخالفة ما شرعه لكم ربكم في التوراة، لتفسدن مرتين:
أما أولاهما: فبمخالفة التوراة وقتل بعض الأنبياء، والثانية- بقتل زكريا وقيل: بقتل يحيى، والعزم على قتل عيسى ابن مريم وقيل: غير ذلك.
ولتعلن وتتجاوزن حدود الشرع والعقل بالبغي والظلم والتعالي على الناس والكبر.
فإذا جاء وعد أولاهما، وحان وقت العقاب الموعود به في الدنيا على المرة الأولى بعثنا عليكم عبادا من عبيدنا أولى بأس وقوة، أصحاب عدة في الحروب وعدد، وهؤلاء القوم الذين أغاروا عليكم قد جاسوا خلال الديار، وفتشوا البلاد، ونقبوا عليكم ليستأصلوكم بالقتل والتشريد، وهكذا كل أمة تفسد في الأرض بالبغي والظلم، حتى تفسد نفوس أبنائها وتطغى لا بد من أن يرسل الله عليها من يذلها ويذيقها سوء العذاب جزاء فسادها، ولو كان المؤدب لها من الكفار المشركين وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، وهذا قضاء محتوم، وسنة لا تتخلف، ووعد محقق، وكان وعد ربك مفعولا حتما.
هذا الدرس القاسي الذي تلقاه بنزول إسرائيل على يد المغير، قيل: هو بختنصر وقيل: هو جالوت، وقيل: جند من بابل أو فارس، والله أعلم بذلك، وليس القرآن كتاب تاريخ حتى تلزمه ببيان الشخص أو الجماعة بالضبط مع تحديد المكان والزمان، ولكن القرآن جاء للعبرة والعظة، والنظرة العليا التي هي أسمى من هذا وذاك، لعل الناس يعتبرون بالحوادث.
هذا الدرس القاسي الذي تلقوه أثمر معهم فثابوا لرشدهم، ورجعوا عن غيهم وتمسكوا بكتابهم ودينهم فكانت النتيجة كما قال الله.
ثم رددنا لكم يا بني إسرائيل الكرة عليهم، وأعدنا لكم الدولة والغلبة عليهم وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ أو أمدكم الله بالأموال والبنين وأمدكم بالسلاح والرجال المخلصين وجعلكم أكثر نفيرا مما كنتم عليه، وهكذا سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إن أحسنتم العمل أحسنتم لأنفسكم لأن نتيجة العمل وثوابه لكم، وإن أسأتم العمل بالفساد والبغي فلأنفسكم فقط، كل نفس بما كسبت رهينة وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فإذا جاء وعد المرة الآخرة، وحان موعد العقاب فيها بعثنا عليكم رجالا ليذيقوكم سوء العذاب وليجزوكم بالقتل والسبي حزنا تظهر علاماته في وجوهكم، وليدخلوا المسجد الأقصى كما دخلوه في أول مرة للتخريب والتدمير وإحراق التوراة، وهتك المقدسات عندكم، وليهلكوا ما علوه وغلبوكم عليه من الأرض والزروع والثمار هلاكا شديدا.
وقد كان جالوت هو الذي سلط عليهم في أول مرة ثم لما قتل داود جالوت رد عليهم ملكهم ودالت الدولة لهم مدة من الزمن حتى فسدوا وظلموا وقتلوا زكريا وقيل يحيى فأرسل الله لهم بختنصر فأذاقهم الخسف والعذاب للمرة الثانية وقيل غير ذلك كما مر.
وكان هذا الدرس من الله تأديبا لكم وتهذيبا، عسى ربكم يا بني إسرائيل أن يرحمكم بهذا، وإن عدتم للمرة الثالثة عدنا إلى عقوبتكم بأشد مما مضى.
إن عادت العقرب عدنا لها
…
بالنعل والنعل لها حاضرة
وقد عادوا للمرة الثالثة فكذبوا محمدا وافتروا الباطل عنادا وجحودا وهم أدرى الناس به، بل ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم أو أشد. فعاقبهم الله على ذلك بقتل بنى قريظة وإجلاء بنى النضير وضرب الجزية عليهم.
هذا في الدنيا. أما في الآخرة فقد جعل الله لهم جهنم محبسا وحصيرا لا يفلت منهم أحد أبدا.
وما لكم يا بني إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم مالكم لا تؤمنون؟ وأنتم تعلمون أن هذا القرآن المنزل على محمد يهدى للتي هي أقوم، ويدعو إلى الصراط المستقيم. أليس يدعو إلى البر والخير، والتعاون والتساند. ويأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وعدم الشرك والبعد عن الزنى والقتل والزور والبهتان وأكل مال اليتيم والتطفيف في الكيل والميزان والتعامل بالربا والقسوة في المعاملة إلى آخر ما هو معروف؟!! وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ إن هذا القرآن يهدى الناس إلى الطريقة المثلى، ويدعو إلى خيرى الدنيا والآخرة ويبشر المؤمنين العاملين الخير والصلاح بأن لهم أجرا كبيرا في الدنيا والآخرة وأن الذين لا يؤمنون ولا يعملون الخير أعد لهم ربهم عذاب جهنم وبئس المصير.
ويدعو الإنسان ربه بالشر- عند غضبه- على نفسه وأهله وماله كما يدعوه لهم بالخير وكان الإنسان عجولا أى: خلق وفي غريزته حب العجلة والسرعة، لهذا جنح كثير من المفسرين، وبعضهم فسر الإنسان بالكافر خاصة ودعاؤه الشر هو استعجاله العذاب استهزاء وكفرا بالنبي، والعذاب آتيه لا محالة
…