الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
وإذا تتلى على هؤلاء الكفار الذين تقدم الكلام عليهم في قوله: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا إلى قوله: وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا وإذا تتلى عليهم آياتنا حالة كونها بينات المعنى واضحات الحجة قال الذين كفروا لأجل الذين آمنوا. وفي شأنهم. أى: الفريقين خير مقاما وأحسن نديا؟ ويحتمل أن الكافرين قالوا مخاطبين المؤمنين: أى الفريقين- فريق المؤمنين وفريق الكافرين- خير إقامة وأحسن ناديا ومجلسا!! وذلك أن زعماء الكفر كانوا ينظرون لأنفسهم. وقد جهلوا كل شيء إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فيرون أنفسهم في غنى وسعة، والمؤمنون في شظف من العيش وقلة في العدد فيقولون. لو كان هؤلاء على حق ونحن على باطل كما يدعون لكان العكس.
ولكانوا هم أكثر مالا وأعز نفرا، وغرضهم من ذلك زعزعة المسلمين في عقائدهم موهمين بعضهم أن من كان كثير المال كان على الحق والصواب، ومن الأسف أن بعض جهلة الأغنياء من المسلمين يفهم هذا، ويقول به.
فيرد الله ويقول ما معناه: وكثير من الأمم السابقة كانوا أحسن أثاثا ومنظرا منكم وأكثر عددا وعدة أهلكناهم لما كفروا بالله.
قل لهم يا محمد. من كان في الضلالة سادرا، وفي العماية سائرا حيث يقول هذا القول المخزى أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا يمده الله ويملى له في العمر مدا حتى يطول اغتراره فيكون ذلك أشد لعقابه.
ونظيره قوله- تعالى- إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً «1» وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ «2» وهذا غاية في التهديد، وقيل هو دعاء من النبي عليهم بذلك حتى إذا رأوا ما يوعدون من العذاب في الدنيا بالقتل والأسر وظهور الدين الحق وهم كارهون أو يظلمهم يوم القيامة بعذابه اللافح وحسابه الشديد عن ذلك يرون من هو شر مكانا وأضعف جندا.
وخلاصة الكلام أن الله يمد لمن هو في الضلالة حتى يرى واحدا من اثنين إما عذاب الدنيا وإما عذاب يوم القيامة فإذا رأى ذلك علم من هو شر مكانا ومن هو أضعف
(1) سورة آل عمران الآية 178.
(2)
سورة الأنعام الآية 110.
جندا بمعنى أنهم يرون أنفسهم أنهم شر مكانا لا خير مكانا، وأضعف جندا لا أقوى ولا أحسن من فريق المؤمنين وإيراد فعل التفضيل تهكم بهم.
ونظير هذه الآية وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً [سورة الكهف آية 43] هذا حالهم. أما حال المؤمنين فيقول الله فيهم:
ويزيد الله الذين اهتدوا وآمنوا هدى وتوفيقا إذ الخير يجر بعضه، والباقيات الصالحات من أعمال الخير، وذكر الله وتسبيحه عند ربك خير ثوابا، وخير عاقبة ومآلا.
ثم أردف الله- سبحانه وتعالى بهذا مقالة أولئك المفتخرين المغرورين بالمال والولد على سبيل التعجب والإنكار لهم.
ولهذه قصة خلاصتها كما رواها الأئمة عن خباب- وكان قينا أى: حدادا وصائغا، قال. كان على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد قال فقلت له. لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث قال. وإنى لمبعوث من بعد الموت؟!! وإذا بعثت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالي وولدي وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [سورة الكهف آية 36] فنزلت هذه الآية.
أفرأيت الذي كفر بآياتنا كلها أو بعضها وقال. والله لأوتين مالا وولدا، والمعنى أخبرنى بقصة هذا الكافر عقب حديث أولئك المغرورين بمالهم وجاههم.
أنظرت فرأيت الذي كفر بآياتنا كلها أو بعضها وقال. والله لأوتين مالا وولدا يوم القيامة عند البعث، انظر إلى مقالته وتألّيه على الله مع كفره وجحوده ثم يجيب الله عنه ويرد عليه.
أطلع على الغيب حتى أنه في الجنة؟ أم اتخذ عند الرحمن عهدا بدخول الجنة وأنه سيكون صاحب يسار فيها؟ ولا سبيل إلى العلم إلا بإحدى الوسيلتين إما الاطلاع على الغيب، أو أخذ العهد.
وفي قوله: أطلع على الغيب؟! إشارة إلى أن الغيب أمر صعب أعلى من الجبل الأشم وأمنع منه منالا إذ هو غيب رب السماء والأرض الذي لا يطلع على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول.