الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
غَمْرَةٍ الغمرة في اللغة: ما يغمرك ويعلوك، وفيه معنى الستر، ومنه الغمر للحقد لأنه يغمر القلب أى: يستره، والغمرة للبحر لأنه يستر الأرض والمراد هنا:
الحيرة وعمق التفكير مُتْرَفِيهِمْ أغنياءهم يَجْأَرُونَ يضجون ويستغيثون.
وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرع كما يفعل الثور، ومنه الجؤار كالخوار تَنْكِصُونَ ترجعون وراءكم، والمراد أنهم يعرضون عن الحق سامِراً السامر والسمار الجماعة يتحدثون بالليل وأصله مأخوذ من السمر وهو ظل القمر تَهْجُرُونَ قوله: تهجرون من أهجر إذا نطق بالفحش، وقرئ تهجرون من هجر المريض إذا هذى والمراد يتكلمون بالهوس وسيئ القول في القرآن والنبي جِنَّةٌ جنون خَرْجاً أجرا ورزقا.
قد تكلم القرآن عن المؤمنين وصفاتهم ثم ذكر حكمين يتعلقان بالعمل العام وبعد هذا عاد فوصف المؤمنين بصفات أخرى، ثم تكلم عن الكفار وناقشهم وبين أعمالهم، وسببها، مفندا آراءهم ردا على كل شبهة.
المعنى:
يقول الحق- تبارك وتعالى: هؤلاء المؤمنون المخلصون الذين وصفوا بتلك الصفات الأربع هم من هذا الوجل والخوف كالمتحيرين المفكرين تفكيرا عميقا في أعمالهم: أهي مقبولة أم مردودة؟ لأنهم يفهمون أن أعمالهم مهما كان فيها من إخلاص فهي دون الواجب عليهم، ولهم أعمال دون ذلك، نعم ولهم- أيضا- من النوافل والصدقات وأعمال البر التي سيعملونها في المستقبل ما هو دون تلك المرتبة.
وأما قوله: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فهذا وصف للكفار قطعا و (حتى) هذه ابتدائية أى: يبتدأ بها كلام جديد.
وهذا رأى حسن، وتأويل مستساغ، وقيل: إن هذا الكلام كله في الكفار ولا شك أنهم في غمرة وحيرة وضلال من هذا الذي بيناه في القرآن أو من هذا الذي وصف به المؤمنون المشفقون، ولهؤلاء الكفار أعمال دون ذلك أى: سوى ذلك الكفر
والجهل، وهم لها عاملون قطعا لأنها مكتوبة عليهم حتى إذا أخذنا مترفيهم وأغنيائهم بالعذاب يوم القيامة إذا هم يجأرون ويستغيثون رافعين صوتهم لشدة ما هم فيه، ويقال لهم- على سبيل التبكيت والتأنيب-: لا تجأروا اليوم، إنكم منا لا تنصرون ويومئذ هم في العذاب محضرون، ولا هم ينصرون، فانظر إليهم وقد وصلت حالتهم إلى ما وصلت إليه من الحسرة والندامة، وهذا كالباعث لهم على ترك الكفر والجهل.
والله- سبحانه وتعالى بعد ما بين أنه لا ناصر لهم أتبع ذلك ببيان سبب هذا الجزاء فقال:
(أ) قد كانت آياتي البينات من القرآن الكريم تتلى عليكم فكنتم تنكصون على أدباركم، وتنفرون منها، وتعرضون عنها.
(ب) وقد كنتم مستكبرين بالحرم والبيت العتيق قائلين: لا يظهر علينا أحد لأنا أهل حرم الله، والحال أنكم تعصونه، ولا تقدرونه قدره.
(ج) وقد كنتم تجتمعون حول الكعبة ليلا للسمر، وكان سمركم في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم والسب فيه ووصفه بأنه ساحر أو مجنون، ووصف القرآن بأنه أساطير الأولين، وأنه كذب وزور، فكنتم تقولون هجرا من القول وزورا، وكنتم تهزأون وتفحشون!! ثم إنه- سبحانه وتعالى لما وصف حالهم رد عليهم بأن إقدامهم على هذه الأمور لسبب من الأسباب الآتية لا يصح أن يكون!! فلذا أنكر عليهم ما يأتى:
1-
أعموا فلم يتدبروا القرآن الذي أنزل على محمد؟ وهو معجزته الباقية الخالدة، وقد نزل بلسان عربي مبين وهم أهل اللسان والفصاحة، وقد تحداهم على أن يأتوا بمثله تحديا سافرا ومع هذا فقد عجزوا أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها؟ من سورة محمد. ولو تدبروا لآمنوا، وما فعلوا ما فعلوا.
2-
بل أجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بما لم يأت آباءهم الأولين؟. لا، لم يكن محمد بدعا، وما كانت رسالته عديمة النظير، فهم يعرفون بالتواتر أن الأمم ترسل إليهم الرسل فيكونون بين مصدق ومكذب فينجى الله المؤمنين وينصرهم ويهلك الكافرين والمكذبين.. فلم هذا العناد والتكذيب؟!!. أليست هذه الأحوال التي يعرفونها تدعوهم إلى التصديق؟
3-
بل ألم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون؟!! نعم هم يقرون ويعترفون أن رسولهم محمدا هو الصادق الأمين، ما جربوا عليه كذبا قط، وما خان في يوم مخلوقا! فكيف يخون الله ويكذب عليه؟ وهم أدرى الناس به وبأحواله فكيف يكون إنكاره وتكذيبه بعد الرسالة وكمال العقل والرجولة؟ إن هذا أمر عجيب؟
4-
بل أيقولون: إنه لمجنون، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [سورة الكهف آية 5] في اعتقادهم وفي الواقع.
ففي الواقع ونفس الأمر ما حملهم على الرجوع عن الحق، والاستكبار الكاذب والسمر وهجر القول إلا ضلالهم وعدم تدبرهم للقرآن، وقد حالت عصبيتهم الممقوتة وجهالاتهم الموروثة. وحقدهم الكامن دون النظر في القرآن بعين الاعتبار المتجردة من الهوى والهوس.
وما دفعهم إلى عمل السوء كذلك إلا اعتقادهم الفاسد أن محمدا كاذب، وليس رسولا.
تبا لهم!! ألم يعرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم قبل هذا؟ وأكثر من هذا أن يقولوا: إنه مجنون ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [سورة القلم آية 2] .
بل (إضراب عما مضى) بل جاءهم الرسول الصادق الأمين بالحق. وجاء لنصرة الحق، وجاء رسولا من عند الحق- سبحانه وتعالى، ولكن أكثرهم للحق كارهون وللحق وحده مخاصمون، وقليل منهم من ينصر الحق، ويطيع دواعي الحق.
ولو اتبع الحق- تبارك وتعالى أهواءهم الفاسدة، ورغباتهم المادية الضالة لفسدت السموات والأرض، ومن فيهن، تنزه الله عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.
بل أتينا هؤلاء العرب الذين أعرضوا عن القرآن ونأوا عنه، أتيناهم بذكرهم وشرفهم وعلو مكانتهم بين الأمم بل وخلقهم من جديد، أمة لها كيان ونظام وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ
[سورة الزخرف آية 44] .
ومن العجيب أنهم عن ذكرهم وشرفهم والقرآن الذي نزل عليهم معرضون، عجبا لهم!! وأى عجب؟!! بل أتسألهم رزقا وأجرا على هدايتهم ورفع شأنهم حتى يملوك ويبغضوك؟!! فخراج ربك ورزقه خير لك ولغيرك، وهو صاحب الملك والسلطان،