الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كيف تصرفون عن الإيمان إلى غيره، حَقَّتْ ثبتت تُؤْفَكُونَ تصرفون عن الحق إلى الباطل لا يَهِدِّي أي: لا يهتدى وهذا احتجاج أخر على المشركين بأسلوب آخر، وهو يقتضى إثبات التوحيد والبعث، وذم الظن الذي لا يغنى بدل الحق شيئا.
المعنى:
قل يا أيها الرسول: لهؤلاء المشركين مع الله غيره: من يرزقكم من السماء والأرض؟! من ينزل من السماء المطر؟ ومن يحيى الأرض بالنبات الذي تأكلون منه أنتم وأنعامكم؟
أم من يملك السمع والأبصار؟ أم بمعنى بل- للإضراب الانتقالى من سؤال إلى آخر- والمعنى بل قل لهم: من يملك السمع والأبصار؟! من يملك خلقهما على هذا النمط البديع والتركيب الغريب؟ ومن يملك حفظهما من الآفات؟ ولقد خص السمع والبصر لأنهما طريق العلم والإدراك؟ وفي جهاز السمع والبصر الأعاجيب.
ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي؟ ولقد كان القدامى يفهمون الآية فهما بسيطا. فالله يخرج الإنسان من النطفة والطائر من البيضة، ويخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، وكانوا يفهمون أن النطفة والبيضة ميتة لا حياة فيها، وهذا الفهم صحيح إذا اعتبرنا أن البيضة وإن تكن فيها حياة فهي حياة خاصة ليس فيها حركة ولا نمو.
والعلماء المحدثون يقولون: إن في البيضة والنطفة حياة بل في البذور حياة، والمثل الصحيح أن الغذاء بعد دخوله النار ميت بلا شك، وهو يكون الدم ومنه المنى فهذا
المنى الحي خرج من الغذاء الميت، ويخرج الله الفضلات والهشيم من الإنسان والنبات وهو ميت خرج من حي، والمراد من ذلك كله إثبات القدرة الكاملة لله- سبحانه وتعالى وأنه خالق الموت والحياة.
وفي التفسير المأثور أراد الحياة والموت المعنويين ومثلهما أخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
ومن يدبر الأمر، ويصرف الكون؟ ومن صاحب هذا النظام المحكم في كل شيء؟
وفي كل شيء له آية
…
تدلّ على أنه الواحد
فسيكون جوابهم عن هذه الاستفهامات الخمسة: أن الفاعل لذلك كله هو الله رب كل شيء، لا جواب غيره، ولا مجال للمكابرة في ذلك.
فقيل لهم: أتعلمون هذا فلا تتقون أنفسكم عذابه، ولا تتقون عقابه لكم عن شرككم وعبادتكم لغيره مما لا يملك نفعا ولا ضرا!! فذلكم الذي يفعل ما ذكر هو الله ربكم خالقكم ومدبر أمركم، هو الحق الثابت بذاته الحي القيوم، لا إله غيره ولا معبود سواه.
وإذا كان هو ربكم الحق الذي لا ريب فيه المستحق للعبادة دون سواه فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!! فالقول بألوهية غيره باطل، وعبادة غيره ضلال.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف تصرفون، وتتحولون عن الحق إلى الباطل؟ وعن الهدى إلى الضلال؟!! كذلك حقت كلمة ربك أى: مثل ذلك حقت به كلمة ربك أيها الرسول، وثبتت في وحدة الربوبية والألوهية، وأنه ما بعد الحق إلا الضلال. حقت كلمته على الذين فسقوا وخرجوا من نور الفطرة، وحظيرة الهدى والحق، أنهم لا يؤمنون بما ينزله الله على ألسنة الرسل، وليس المعنى أنه يمنعهم- سبحانه- بل المراد أنهم يظلون على العناد والاستكبار وعدم الإيمان فهم لا يؤمنون.
قل لهم أيها الرسول: هل من شركائكم الذين عبدتموهم مع الله أو من دون الله، أو اتخذتموهم شفعاء عنده يقدر على بدء الخلق في طور ثم إعادته في طور آخر؟ سواء كان صنما أو وثنا أو كوكبا أو ملكا أو بشرا من الرسل أو غيرهم.
ولما كانوا لا يعترفون بالبعث والميعاد لقن الله رسوله الجواب إذ لا يمكنهم الجواب أبدا. قل: الله يبدأ الخلق ثم يعيده إذ القادر على البدء قادر على الإعادة، وهم يرون الإعادة تتكرر كل عام في النبات والكون، بقدرة الله وحده أفلا يحكمون عقولهم؟
ويسلمون بمبدأ البعث والجزاء يوم القيامة! فأنى تؤفكون؟ فكيف تصرفون عن ذلك الحق وهو من دواعي الفطرة والطبيعة والنظر السليم؟ إلى الباطل والجهل بالمصير.
قل لهم: هل من شركائكم من يهدى إلى الحق والخير؟ هداية بالطبيعة والفطرة أو بالتشريع والتقنين، أو بالتوفيق ومنع الصوارف، هذه الهداية بأنواعها من تتمة الخلق والتكوين رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى «1» وهم بأى شيء يجيبون عن هذا؟!! والشواهد كثيرة تدل على الجواب المتعين الذي لقنه الله إلى رسوله:
قل لهم: الله يهدى للحق، ويهدى إلى صراط مستقيم، وهو يمن عليكم أن هداكم للإيمان.
أفمن يهدى إلى الحق والهدى، والخير والفلاح، أحق أن يتبع فيما يشرعه؟
أم من لا يهتدى إلى الخير أبدا في حال من الأحوال إلا أن يهدى؟ أى يهديه الله وذلك كالأصنام لا تهتدى أبدا إلى الخير ولا تهدى إلى الخير، وأما عزير والمسيح والملائكة فتهدى إلى الخير ولكن بهداية الله- سبحانه وتعالى وهذا معنى قوله:
إِلَّا أَنْ يُهْدى.
فما لكم؟ استفهام تعجب وتقريع عن حالهم على معنى أى شيء أصابكم؟ وماذا دهاكم؟ حتى تتخذوا أصناما وآلهة بهذا الوصف!! كيف تحكمون؟ وعلى أى حال ووضع تحكمون بجواز عبادتهم أو وساطتهم وشفاعتهم عنده؟ نعم إن هذا لشيء عجيب!! والحق الذي لا مرية فيه أنه ما يتبع أكثرهم في هذا إلا الظن لا اليقين وما يتبعون في شركهم وإنكارهم البعث، وتكذيبهم الرسول- عليه الصلاة والسلام إلا ضربا
(1) سورة طه آية 50.