الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
جَهَّزَهُمْ يقال: جهزت القوم تجهيزا أى: تكلفت لهم بجهازهم للسفر، وجهاز العروس ما يحتاج إليه عند الزفاف. والمراد به هنا الطعام الذي امتاروه من عنده أُوفِي أتم الْمُنْزِلِينَ المضيفين للضيوف سَنُراوِدُ نطلبه من أبيه برفق ولين ومخادعة بِضاعَتَهُمْ هي المال الذي يستقطع ويستعمل للتجارة رِحالِهِمْ جمع رحل وهو ما يوضع على ظهر الدابة وفوقه المتاع. نَكْتَلْ يقال: في كلت له الطعام إذا أعطيته واكتلت منه إذا أخذته نكتل أى نأخذ مَتاعَهُمْ المتاع: ما ينتفع به والمراد هنا أوعية الطعام بِضاعَتَهُمْ ثمن ما كانوا أعطوه من الطعام وَنَمِيرُ نجلب لهم الميرة وهي الطعام يجلبه الإنسان من بلد إلى بلد كَيْلَ بَعِيرٍ أى: مكيل بعير أى جمله الذي يعطى لصاحبه مَوْثِقاً الموثق العهد الموثق إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ المراد إلا أن تغلبوا على أمركم.
المعنى:
كان يوسف على خزائن أرض مصر وهو الحفيظ للقوت العليم بأساليب الصرف والإكثار من الزرع، وقد كان الزمن زمن جدب وقحط عم مصر وما جاورها من البلاد كبلاد كنعان (فلسطين) لكن يوسف قد أرسل لمصر لإنقاذها من الجدب.
بل وفر من أقواتها ما كان يباع لجيرانها. ولما علم يعقوب وبنوه بخيرات مصر، وكانوا في أشد الحاجة إلى الطعام أرسل أبناءه العشرة ليبتاعوا من عزيز مصر القوت ويعطوه
الثمن بضاعة كانت معهم، وكان يوسف لا يعطى لفرد إلا حمل بعير فقط توفيرا للمؤن.
وجاء إخوة يوسف العشرة فدخلوا عليه، وهو في أبهة السلطان فعرفهم لما وصل خبر مقدمهم إليه، ورآهم بعينه أما هم فلم يعرفوه لتغير حاله واستبعاد أن يكون الطريد الشريد الملقى في البئر عزيز مصر الذي يتحكم في أقوات الخلق، يا سبحان الله!! ولما جهزهم بجهازهم أوقر ركائبهم بما جاءوا لأجله من الطعام وأعطاهم ما يحتاج إليه المسافر في سفره، وكانوا عشرة وطلبوا أكثر من حقهم، طلبوا لأبويهم ولأخيهم الحادي عشر فإنه بقي في خدمة أبويه الكبيرين. أعطاهم حمل بعيرين بشرط أن يحضروا له أخاهم لأبيهم ليراه. ثم أخذ يجب إليهم المجيء ثانية مع أخيهم بقوله: ألا ترون أنى أتم لكم الكيل الذي تكتالون، وأريحكم في سعره وصنفه، وأنا خير المضيفين فقد أحسنت ضيافتكم وجهزتكم بزاد يكفيكم في سفركم زيادة على تجارتكم، ومن هنا يعلم أن اتهامه لهم بالتجسس بعيد وأخذ رهينة منهم أبعد.
يا بنى يعقوب إن لم تحضروا لي أخاكم كما اتفقنا، وعدتم تمتارون لأهلكم منعتكم من الكيل في بلادي فضلا عن إيفائه وكماله، ولا تقربون بلادي فضلا عن الإحسان في المعاملة والضيافة.
قالوا: أيها العزيز سنراود عنه أباه، ونحتال بكل حيلة، ونخادعه بكل خدعة حتى يسلم لنا بنيامين الذي يعتز به أبوه فهو خلف لأخيه المفقود، وإنا لفاعلون ذلك إن شاء الله.
وقال يوسف لفتيانه الذين يتولون الكيل للتجار: اجعلوا بضاعتهم التي جاءوا بها ثمنا للطعام-
روى أنها كانت جلودا وأدما- اجعلوها في رحلهم لكي يعرفوها إذا انقلبوا إلى أهلهم فيكون ذلك أدعى لرجوعهم ثانية حيث يقفون على مدى إكرام العزيز لهم، لعلهم يرجعون حسبما أمرتهم بذلك طمعا في برنا وحسن معاملتنا.
ابتاع إخوة يوسف منه طعامهم، وهو يعرفهم وهم لا يعرفونه، وطلب منهم أن يحضروا أخاهم من أبيهم وإلا منع عنهم الكيل.. فلما رجعوا إلى أبيهم بعد هذه الرحلة قالوا بمجرد وصولهم: يا أبانا إن عزيز مصر قد منع منا الكيل بعد هذه المرة إن لم
ترسل معنا أخانا بنيامين كما طلب، فأرسله معنا نكتل من الطعام ما نحتاج إليه بقدر عددنا: ونكون قد وفينا له بما شرط علينا، وهو العزيز الذي أكرم وفادتنا، وإنا يا أبانا لنحفظ أخانا في ذهابنا وإيابنا.
قال يعقوب الشيخ الحزين على يوسف الذي لا يزال يذكره حتى ابيضت عيناه من الحزن: هل آمنكم عليه إلا ائتمانا كائتمانى لكم على أخيه يوسف من قبل؟ على معنى كيف آمنكم على ولدي بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم وإنكم ذكرتم مثل هذا الكلام بعينه في يوسف وضمنتم لي حفظه وقلتم: إنا له لحافظون فلم يحصل الأمن والحفظ سابقا فكيف يحصل الآن؟!! يا بنى ما أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل!!.
وظاهر الكلام يدل على أنه أرسله معهم اعتمادا على حسن الظن بهم وأنه ما كان يرى علامات الحسد والحقد بينهم في هذه اللحظة وتلبية لدعوة الحاجة إلى الطعام.
فالله خير حافظا يحفظ لي ولدي، ولا يجمع بين مصيبتين لي، وهو أرحم الراحمين.
طلبوا من أبيهم هذا ساعة وصولهم وقبل فتح أمتعتهم.
ولما حطوا رحالهم وفتحوا متاعهم، وجدوا بضاعتهم التي أخذوها ثمنا لطعامهم وجدوها ردت إليهم.
قالوا: تأييدا لطلبهم يا أبانا ما نبغى؟ ماذا نطلب زيادة على وصفنا لك من إكرامه وفادتنا وحرصه على راحتنا؟
هذه بضاعتنا ردت إلينا من حيث لا نشعر أليس هذا دليلا على منتهى الكرم؟ وداعيا لأن نوفى له بما طلب.
ونحن إذا ذهبنا ثانية مع أخينا نمير أهلنا، ونحضر لهم الطعام بلا ثمن، ونحفظ أخانا بنيامين بعنايتنا ورعايتنا فلا تخش عليه شيئا، ونريد كيل بعير لأجله، إذ يوسف كان يعطى كل رجل حمل بعير فقط اقتصادا وتوفيرا، ونظهر أمامه بأنا صادقون في دعوانا بأن لنا أخا مع أبوينا يخدمهما، وربما كان ذلك له تأثير عند العزيز.
وذلك أى البعير الزائد أمر يسير على مثل هذا الرجل الكريم الذي لو كان من نسل يعقوب لما أكرمنا هذا الإكرام.