الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَناسِيَّ هم الناس صَرَّفْناهُ صرفنا المطر أى: فرقناه وحولناه من جهة إلى جهة، ومنه قيل تصريف الأمور كُفُوراً أى كفرا.
ما مضى كان نقاشا لأهل مكة في أمور معنوية عامة، وتهديدا لهم حيث كذبوا ولم يؤمنوا ثم ساق لهم قصصا يؤيد ذلك. وبين لهم أن هلاكهم أمر واقع، ليس له من دافع، ثم ساق أدلة على وجود الصانع المختار، وهذه الأدلة بعض الظواهر الكونية، التي يدركها كل مخلوق مع بيان قدرة الله ونعمه التي لا تنفد، وكان الكلام على الظل.
والليل والنهار. والريح. والمطر وغير ذلك مما يناسب عقول هؤلاء الناس، ويلتقى مع خيالهم، وهو عماد بيتهم.
المعنى:
ألم تنظر إلى صنيع ربك الذي يدل على كمال قدرته، ومنتهى رحمته حيث مد الظل وبسطه، أو قبضه وقلله، والظل نعمة من الله على الناس جميعا، إذ الحياة والدفء من نور الشمس، ولكن قد يبهر العين، ويجلب الحر، ويقتل النفس. وفي الظلام السكون والهدوء، ولكن النفس لا تألفه، والطبع السليم يأباه، فكان من نعم الله علينا الظل وسطا بين النور والظلام، وجاء وصفا للجنة حيث كانت ذات ظل ممدود، ومن هنا ندرك السر في تفسير بعض العلماء للظل بأنه الوقت من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس إذ هو وقت الهدوء والسكون والراحة النفسية، والجو الصافي، وقت النشاط الروحي والصفاء النفسي: ولا تنس أن للظل مكانة عند العرب.
ولو شاء ربك لجعل الظل ساكنا ثابتا لا يحول ولا يزول، ومن هنا يذهب رواؤه، ويقل تأثيره، إذ تأثيره الطبعي والمعنوي في ذهابه وحضوره ووجوده وانعدامه وقلته وكثرته.
والظل أمر لا يعرف ولا يدرك إلا بالشمس، وتبارك الله أحسن الخالقين ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا فكأن الله- سبحانه- خلق الظل أولا، ثم جعل الشمس دليلا على وجود هذه النعمة الجليلة ذات الأثر الفعال في الإنسان والحيوان والنبات.
أليس في وجود الظل ثم تحركه وتغيره، وانتقاله من حال إلى حال ثم جعل الشمس
دليلا عليه؟ أليس في ذلك كله ما يدل على الخبير البصير القوى الحكيم؟ على أنه بنا رءوف رحيم.
وانظر إلى قوله تعالى: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً وكأنه يسير الهوينا، ولا شك أن قبضه وبسطه يسير على فاطر السموات والأرض.
إنها الشمس تشرق على الكون فتملؤه حياة وبهجة وحركة ودفئا، ويظهر بسببها الظل في أول النهار، والفيء من آخره، ثم يأتى الليل بجحافله، فتغيب الشمس، ويحمر الأفق، وتبيت الطير، وتسكن الحركة، وينام الناس.. أليس في ذلك كله مظاهر دالة على قدرة الله؟
وهو الذي جعل الليل لباسا، فهو ساتر بظلامه الناس. وفي ظلام الليل وسكونه آية وأى آية؟ على وجود الله، وفيه منافع للناس في الدنيا والدين، لا تخفى على ذي بصيرة.
سبحانك يا رب خلقت فأبدعت، وصنعت فأحكمت، ولا غرابة فأنت الحكيم العليم!! يا أخى تصور أن الله حرمنا من الليل والنوم، أيكون للدنيا ذلك البهاء، وتلك الروعة؟ إننا نبيت متعبين مكدودين فنأوى إلى فراشنا طلبا للراحة والهدوء فيمن الله علينا بالنوم والسبات العميق فيقطع علينا تفكيرنا وألمنا، ويجدد من نشاطنا بل ويبعثنا من جديد، فنصحو وكلنا نشاط وقوة وعمل واجتهاد، حقا من نعم الله علينا أن جعل لنا النوم سباتا، والنهار معاشا، وإن من يحاول العمل في الليل والنوم في النهار لا يفلح ولا ينتج وما أحسن جعل الليل للسبات والنهار للنشور والمعاش.
وهو الذي أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته تبشر بالغيث والمطر والإنبات وسير السفن، وأنزل ربك من السماء ماء طهورا، أى في نفسه مطهر لغيره، يزيل النجس والخبث، ويرفع الحدث.
أنزله ليحيى به الأرض بعد موتها، إذ حياة الأرض بالزرع والنبات، فالأرض المجدبة، والصحراء القاحلة ميتة لا حياة فيها، وإذا كان هذا حالها فما بال البلاد الواقعة فيها والناس الذين يسكنونها؟!! ومن المطر يشرب من خلق الله الأنعام من إبل وبقر وغنم وغيرها: ويشرب منه ويحيا به خلق كثير، ربطت حياتهم بالمطر، وهم سكان الصحارى والقفار.