الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
وَرائِهِمْ، أى أمامهم بَرْزَخٌ أى: سد وحاجز يمنعهم من الرجوع نُفِخَ فِي الصُّورِ الصور بوق ينفخ فيه نفختين النفخة الأولى ليموت الكل والثانية ليحيا الكل وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ وقيل الصور جمع صور والمراد نفخ الروح في الأجساد مَوازِينُهُ موزوناته أى أعماله تَلْفَحُ تحرق واللفح كالنفخ إلا أنه أشد كالِحُونَ عابسون، وقال أهل اللغة الكلوح تكشر في عبوس وتقلص الشفتين عن الأسنان اخْسَؤُا اسكتوا سكوت هوان وذلة وابعدوا في جهنم كما يقال للكلب اخسأ، أى: أبعد شِقْوَتُنا شقاوتنا والمراد: غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا فسمى اللذات والأهواء شقوة لأنهما يؤديان إليها سِخْرِيًّا بكسر السين بمعنى الاستهزاء وبضم السين بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل، وهما قراءتان مرويتان عَبَثاً مهملين كالبهائم.
المعنى:
يخبر الله- سبحانه وتعالى وخبره الصدق وقوله الحق- عن حالة المحتضر عند الموت من الكافرين والعصاة والمفرطين في حقوق الله حينما يرون ما أعد لهم من العذاب، يقول الواحد منهم: يا رب ارجعنى ارجعنى، ارجعنى لعلى أعمل صالحا فيما تركت، وضيعت من الطاعات، فهو يطلب الرجوع إلى الدنيا متيقنا من نفسه أنه سيعمل الصالح من غير تردد، يرجع إلى رده إلى الدنيا أو إلى التوفيق إلى العمل الصالح.
ونصوص القرآن في مثل هذا الموضوع فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ «1» فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ «2» .
(1) سورة الأعراف الآية 53.
(2)
سورة السجدة الآية 12.
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا «1» . رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ «2» . وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ «3» تدل على أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون لها عند الاحتضار، وحين يعرضون على النار، وقت العرض على الجبار.
ولذلك جاء الرد: كلا! وهي كلمة ردع لمن طلب شيئا بلا حق، إنها كلمة هو قائلها نعم هو حكم قد حكم به الحكيم الخبير، ولا راد لحكمه، ولا معقب على قضائه وكيف يكون غير هذا؟!!، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، فقول الظالم: رَبِّ ارْجِعُونِ كلمة هو قائلها، ولا عمل معها البتة، وحتى التي في أول الآية غاية لما قبلها، والمعنى: هم مصرون على ما وصفناهم به سابقا حتى إذا جاء أحدهم الموت وتيقن ضلالته وعذابه وشاهد الملائكة تقبض روحه بوجه عابس فطلب ما طلب، وأمامهم بعد هذا برزخ وحاجز بين الدنيا والآخرة يستحيل عليهم أن يتخطوه، فهم في حياة بين الدنيا والآخرة وهي حياة القبور، وستظل كذلك فيها العذاب إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى، وهلك جميع الخلق حتى الملك الذي نفخ في الصورة، نفخ في الصور مرة أخرى فإذا الناس جميعا قيام ينظرون ماذا يحل بهم؟
فلا أنساب بينهم يومئذ، ولا يتساءلون ولا يسأل حميم حميما، كل امرئ عن أخيه مشغول يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى
[سورة الحج آية 2] .
فمن ثقلت موازينه، ومن رجحت حسناته على سيئاته، ولو بالقليل فأولئك هم المفلحون الفائزون، الذين زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة بسلام، ومن خفت موازينه أى: ثقلت سيئاته على حسناته فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم، وخابوا وهلكوا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا النعيم المقيم بالزخرف الفاني، والحياة الفانية، وهم في جهنم خالدون، وماكثون مقيمون، تلفح وجوههم النار وتغشاها وقد كانوا يصعرون خدودهم، ويشمخون بأنوفهم في الدنيا كبرا وعجبا لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ «4» ، وهم فيها كالحون، وعابسون
(1) سورة الأنعام الآية 27.
(2)
سورة غافر الآية 11.
(3)
سورة فاطر الآية 37.
(4)
سورة الأنبياء الآية 39.
مكشرون، وذلك جزاء الظالمين، وهذا تقريع من الله وتوبيخ لهم على ما ارتكبوا من الكفر والإثم والعدوان حيث يقول الله لهم: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ؟!! وهذا استفهام تقرير وتوبيخ لهم، والمعنى: قروا بهذا واعترفوا فهو أمر ظاهر لا ينكره عاقل.
قالوا: ربنا غلبت علينا شهواتنا. وقادتنا لذاتنا إلى الشقاء ودخول النار، وكنا قوما ضالين غير فاهمين للأمور على وضعها الصحيح ثم عادوا فكرروا ما طلبوه أولا وقالوا:
ربنا أخرجنا من هذا الموقف إلى الدنيا فإن عدنا إلى أفعالنا تلك فإنا ظالمون نستحق منك العقوبة الصارمة.
فيرد الله عليهم بمنتهى الغلظة والشدة قائلا: اخسئوا فيها، وابعدوا في جهنم، ولا تكلمون أبدا بعد هذا.
وكأن سائلا سأل وقال. لم هذا العذاب والرد الشديد؟ فأجيب بقوله: إنه كان فريق من عبادي يقولون في الدنيا: ربنا آمنا بك وصدقنا رسلك فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فما كان منكم أيها المكذبون الظالمون إلا أنكم اتخذتموهم سخريا تسخرون بهم، وتضحكون عليهم، وتسخرونهم وتعذبونهم.
اتخذتموهم سخريا إلى أن نسيتم ذكرى لشدة انشغالكم بالاستهزاء، وكنتم منهم تضحكون، إنى جزيتهم اليوم بما صبروا على فعل الطاعات، وترك المحرمات، والرضا بقضاء الله وقدره، جزاهم ربهم بهذا جنة قطونها دانية، إنهم هم الفائزون.
يقول الله لهم تبكيتا وتأنيبا بعد أن طلبوا الرجوع فردوا، وقيل لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون: كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ وهذا سؤال عن مدة مكثهم في الدنيا.
قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم، استقصروا مدة لبثهم لما هم فيه من العذاب فاسأل العادين المتمكنين، فإننا في حالة تذهب العقول وتحير النفوس.
قال: ما لبثتم في الأرض إلا قليلا من الزمن بالنسبة إلى لبثكم في العذاب المقيم.
ألم تعلموا فحسبتم أنا خلقناكم عابثين لاعبين ليس لغرض صحيح؟ أفحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون؟
فتعالى الله، وتنزه عن الشريك والولد وتعالى عن العبث واللعب هو الملك الحق، لا إله إلا هو، رب العرش الكريم، فكيف لا يكون هذا إلها وربّا للكون كله؟! ومن يدع مع الله إلها آخر. ولا برهان له به، فإنما حسابه عند ربه، وجزاؤه عند خالقه فاطر السموات والأرض حساب عسير. إنه لا يفلح الكافرون.
وقل يا محمد لتقتدى بك أمتك: رب اغفر لي سيئاتي، وارحمني فإنك الرحمن الرحيم.
وهذا دواء لكل ألم، إذ الاستغفار وطلب الرحمة هما المنجيان من المهالك.
روى عن عبد الله بن مسعود. أنه مر بمصاب مبتل فقرأ في أذنه أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا قرأت في أذنه؟
فأخبره فقال: «والّذى نفسي بيده لو أنّ رجلا موقتا قرأها على جبل لزال»
ولا غرابة فالقرآن علاج حقا، ولكن يتوقف على الطبيب وعلى المريض وقابليته فإذا كان الطبيب ذا نفس مؤمنة، والمحل أى: المريض قابلا للعلاج بالقرآن يبرأ وإلا فلا.