الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
انْتَبَذَتْ
النبد الرح والرمي والرماد ابتعدت وتنحت عن أهلها مَكاناً شَرْقِيًّا
مكانا جهة الشرق حِجاباً
ساترا رُوحَنا
المراد جبريل وهو روح القدس، والدين يحيا به ويوجبه من الكتب سَوِيًّا
مستوى الخلقة نامها بَغِيًّا المرأة البغي هي الزانية التي تبغى الرجال مَقْضِيًّا محكوما به نافذا قَصِيًّا بعيدا عن الأعين فَأَجاءَهَا اضطرها الْمَخاضُ مقدمة الولادة إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ وهو ساقها اليابس نَسْياً النسى الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى مَنْسِيًّا وقع عليه النسيان بالفعل سَرِيًّا قيل هو النهر كان جافا فامتلأ ماء، وقيل: هو عيسى والسرى الشريف العظيم من القوم جَنِيًّا أى مجنيا في حينه وَقَرِّي عَيْناً المراد اهدئى ولا تحزني، والمسرور بارد القلب ساكنه فالمادة مأخوذة من القرى أى البرد صَوْماً سكوتا مُبارَكاً ناميا في الخير ثابتا على الحق الْمَهْدِ شيء يتخذ لتنويم الصبى.
المعنى:
واذكر يا محمد في القرآن مريم البتول وخبرها الصحيح الذي يتضمن ولادتها لعيسى ابنها عبد الله ورسوله إلى بني إسرائيل، ونفى الولد عن الله- سبحانه وتعالى.
نشأت مريم بنت عمران في بيت كريم ونسب شريف، ونشأت عفيفة طاهرة فلما شبت وترعرعت تحت عناية الله ورعايته، وبلغت مبلغ النساء كان منها أن انتبذت أهلها، وجلست وحدها في خلوة للعبادة أو لقضاء بعض حاجاتها وكان ذلك في مكان جهة الشرق (ومن هنا اتخذ المسيحيون قبلتهم ناحية الشرق) .
وبينما هي في خلوتها إذ بجبريل روح القدس يتمثل لها بشرا سويا تام الخلقة مستوى الخلق لم ينقص منه شيء في رجولته.
فلما رأته على هذا الوضع قد اخترق عليها حجابها. ظنت به سوءا أو أنه يريد بها شرا فقالت له إنى أعوذ بالرحمن منك وألتجئ إلى الله أن يقيني شرك، ما كنت يا هذا رجلا نقيا.
وهذا دليل على عفافها وورعها حيث تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفاتنة وكان تمثيله بتلك الصورة ابتلاء من الله لها وسبرا لعفتها. قال جبريل لها: إنما أنا رسول ربك الذي تستعيذين به، جئت لأهب لك غلاما زكيا طاهرا.
قالت مريم: أنى يكون لي غلام؟ والحال أنى لم يمسني بشر في زواج شرعي ولم أك بغيا من البغايا!! وسؤالها هذا لم يكن عن استبعاد لقدرة الله، ولكن أرادت متعجبة كيف يكون هذا الولد؟ هل هو من قبل زوج تتزوجه في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء؟
قال الملك: الأمر كذلك (والمشار إليه أنى يكون لي غلام؟) قال الله: هو على هين وقد خلقناه على هذا الوضع لنجعله آية للناس حيث يستدلون بخلقه على كمال القدرة، وتمام العظمة لله- سبحانه وتعالى.
وكان رحمة منا للخلق، وهكذا كل نبي يهدى الناس إلى الخير، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم، وكان ذلك المذكور أمرا مقضيا ومقدرا من الله.
اطمأنت مريم إلى كلامه فدنا منها، ونفخ في جيب درعها أى نفخ في فتحة قميصها من أعلى، ووصلت النفخة إلى بطنها، وتنحت عن أهلها قاصدة مكانا قصيا بعيدا فألجأها المخاض متجهة إلى جذع النخلة لتستر به، وتعتمد عليه عند الولادة قالت:
يا ليتني مت قبل هذا الحادث، وكنت شيئا منسيا، تراها تمنت الموت خوفا من أن يظن بها السوء في دينها، أو يقع أحد بسبها في البهتان.
فناداها جبريل من تحتها إذا كانت هي على مكان مرتفع وقيل الذي ناداها هو عيسى الوليد، ناداها بألا تحزني ولا تتألمى.
فهذه آية الله الدالة على أن الأمر خارق للعادة، وأن لله في خلقه شؤونا. فها هو ذا قد جعل لك ربك تحتك نهرا يفيض بالماء بعد أن كان جافا، وحركي جذع النخلة
اليابسة تتساقط عليك رطبا جنيا شهيا، أليست هذه أمارات الرضا؟ ودليلا على أن الله معك ولن ينساك يا مريم، فكلي من الرطب واشربى من النهر وقرى عينا، واهدئى بالا، واطمأني نفسا فالله معك، وحافظك من الناس، فإن رأيت من الناس أحدا فيه أمارة الاعتراض عليك فلا تكلميه، وقولي: إنى نذرت للرحمن صوما وسكوتا عن الكلام فلن أكلم اليوم إنسانا بل سألكم الملائكة، وأناجى ربي- سبحانه وتعالى.
ولما اطمأنت مريم- عليها السلام بما رأت من الآيات، وفرغت من نفاسها أتت بعيسى تحمله إلى أهل بيتها، فلما رأوا الولد معها حزنوا، وكانوا أهل بيت صالحين إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ [سورة آل عمران الآيتان 33 و 34] .
قالوا منكرين: يا مريم لقد جئت شيئا فريا وعجيبا ونادرا في بيئتنا وبيتنا فليس هذا من عوائدنا وعادتنا.. يا مريم ما كان أبوك امرأ سوء بل كان رجلا صالحا، وعبدا قانتا، وما كانت أمك بغيا فمن أين يأتى لك هذا السوء؟! وفي هذا دليل على أثر الوراثة والبيئة.
فأشارت إلى الوليد الصغير أن تكلم قالوا متعجبين منكرين ذلك: كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟! اعتبروا هذا استهزاء بهم وجناية زيادة على جنايتها الأولى.
ولكن الوليد الصغير لم يكن كأمثاله نشأ من أب وأم بل خلقه الله آية عجيبة وخلقة غريبة يؤمن بسببه أناس، ويكفر آخرون.
قال إنى عبد الله- ولست ولدا لله ولا جزءا منه بلى أنا بشر وعبد له- آتاني الكتاب وهو الإنجيل. وجعلني نبيا إليكم، وجعلني مباركا لي في كل شيء، وثابتا على دين الحق، وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وجعلني بارا بوالدتي فقط حيث لم يكن له أب، ولم يجعلني ربي جبارا عنيدا وشقيا مطرودا.
والسلام من الله العلى القدير، علىّ يوم ولدت من غير أب، ويوم أموت، ويوم أبعث حيا.