الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
دَابَّةٍ الدابة، اسم على لكل ما دب ودرج على وجه الأرض، وقد يستعمل في العرف العام: خاصة بذوات الأربع يَتَوَلَّى يعرض مُذْعِنِينَ طائعين منقادين ارْتابُوا شكوا يَحِيفَ يجور ويظلم.
وهذا من تتمة الأدلة على كمال القدرة، وتمام العلم والحكمة، مع التعرض لبعض من عميت بصائرهم فلم يهتدوا بنور الحق كالمنافقين.
المعنى:
والله- سبحانه وتعالى خلق كل دابة تدب على الأرض من إنسان وحيوان، وطير، ووحش، وغيرها. خلق كل ذلك من ماء، وهل هو المنى الحيواني الذي يخرج من كل كائن حي للقاح؟ أم المراد بالماء العنصر المعروف، بناء على أنه داخل في قوام كل حيوان، ولا غنى عنه في تخلق الحيوان وحياته، كل هذا يصح.
وأيّا ما كان فإن هذه الآية تشبه في الدلالة على باهر القدرة، قوله تعالى: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [سورة الرعد آية 4] فقد خلق الكل من الماء ثم باين بين الأنواع مباينة تامة، وفي هذا دلالة على كمال القدرة.
فمنهم من يمشى على بطنه، وهذا النوع أظهر في الدلالة حيث يمشى بلا رجلين ومنهم من يمشى على رجلين، ومنهم من يمشى على أربعة أرجل، وقد عبر بمن وهي للعقلاء تغليبا ثم عبر في كل نوع بها للمشاكلة فإن من يمشى على رجلين يدخل فيه الإنسان والطير فعبر بمن تغليبا، وعبر بها في غيره المشاكلة.
يخلق الله خلقه على ما يشاء ولا غرابة في ذلك. إنه على كل شيء قدير.
بعض العلماء يرى أن هذا المثل ضرب للكفار إذ هم يمشون على بطونهم وقد ضرب للمنافق ما يمشى على أربع وضرب للمسلم المنتفع بنور الله من يمشى على رجلين والله أعلم.
لقد أنزل آيات دالات على كمال القدرة منها ما ذكر هنا، وهذه الآيات مبينات للحق والهدى، ظاهرات في نفسها، ولكن لا يهتدى بها إلا من يشاء الله له الهداية، لأنه بطبعه يميل إليها وهو يستحقها، والله- سبحانه- يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وذلك الفضل من الله وكان الله عليما حكيما، وهو على كل شيء شاءه قدير.
بعد أن ساق- جل شأنه- من الأدلة والبراهين، ما يثبت الإيمان الحق، في قلوب الناس، وينفى الشك والريب. شرع- جل جلاله يبين أن هذه الآيات وإن تكن بينة واضحة في نفسها مبينة وموضحة حقيقة الشرع، إلا أنها لا تكفى وحدها بل لا بد من هداية من الله وتوفيقه لمن يشاء، حتى يظل الإنسان طامعا في عفوه، غير خارج عن حظيرة الرجوع إلى الله في كل شيء، وهذه قصة بعض المنافقين، الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم يؤمنون باللسان ثم لا يرضون بحكم الله، وهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل. ولعل ذكر أوصافهم صريحة مما يقوى تمثيلهم بالحيوان.
روى أن رجلا من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فدعاه اليهودي إلى التحاكم إلى رسول الله، ودعاه المنافق إلى التحاكم إلى كعب بن الأشرف فرارا من الحكم الحق الذي سيحكمه رسول الله ثم انتهى الأمر، وتحاكما إلى رسول الله فحكم لليهودي،
لأنه صاحب الحق، ورسول الله لا يحكم إلا به ولو على أقرب الناس إليه، فرضي اليهودي بذلك، ولم يرض المنافق، وتحاكما إلى عمر طمعا فيه فقال له اليهودي: قد تحاكمنا إلى رسول الله ورضيت ولم يرض زميلي فقال عمر: أهذا حصل، قال المنافق:
نعم، فضرب عمر رقبته بالسيف حيث لم يرض بحكم رسول الله!!.
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.
والمعنى: من الناس من يقول بلسانه بدون اعتقاد: آمنا وأطعنا ثم يتسلل فريق منهم ويعرض عن حكم الله الذي هو مقتضى قوله آمنا وأطعنا، وانظر إلى قوله: ثم التي تفيد العطف ولكن مع التراخي في الترتيب إذ بعيد على العاقل أن يقر بالإيمان والطاعة ثم يعرض عن حكم الله ورسوله وما أولئك بالمؤمنين أبدا.
أليس هذا كافيا؟! لمن يدعى الإيمان ثم يجاهر بالرضا عن الحكم بغير كتاب الله وسنة رسوله!! إنه بلا شك في الدرك الأسفل من النفاق العملي: وإذا دعوا هؤلاء إلى الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ليحكم بينهم إذا فريق- وقد يكون كبيرا- منهم معرضون، وكيف يقبلون التحاكم إلى الله؟ الله يحكم بشدة على الزاني والسارق وشارب الخمر، والذي يسب المحصنات الغافلات، ويحرم الاختلاط، والسفور، ويقول للمؤمنين وللمؤمنات: غضوا من أبصاركم واحفظوا فروجكم وأنفسكم عن الفاحشة.
فلا يقبل هذا ولا يرضى به إلا كل مسلم عفيف، وكل محصنة عفيفة، أما من يريد الإباحية، والفوضى الخلقية، فيتعلل بأنظمة واهية، وتقاليد غريبة بالية لا تصلح لنا ولا تعيش في جونا، وما أشبه الليلة بالبارحة.
فأولئك هم الذين ينفقون النفس والنفيس في سبيل عرقلة الدعوة إلى الحكم بكتاب الله، وأصارحكم يا إخوانى أن هناك عدة جهات همها وعملها في الشرق إماتة كل حركة إسلامية فإنها العدو اللدود للاستعمار.
ومن الغريب أن يخدع بعض الشباب المسلم بهذا، وينادى بما ينادى به أولئك القوم، ولكن لا غرابة فالله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
هؤلاء الذين لا يرضون الحكم بكتاب الله يقول الله في شأنهم:
أفي قلوبهم مرض؟ أم ارتابوا؟ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟
…
بل أولئك هم الظالمون
…
نعم فهم لا يخرجون عن واحد من هذه الفروض ليخلص أن الباعث الحقيقي هو ظلمهم وتوغلهم فيه وحدهم.
ومعنى الآية: أعميت بصائرهم فلم يدركوا هذا النور الذي ملأ السموات والأرض؟!! .. بل أهم في شك من أمره صلى الله عليه وسلم، فلا يدرون أحق ما جاء به أم