الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
مَوْجٍ جمع موجة وهي ما يحدث عند اضطراب البحر من التموج وارتفاع المياه سَآوِي سألجأ يَعْصِمُنِي يحفظني ابْلَعِي البلع ازدراد الطعام أو الشراب بسرعة غِيضَ الْماءُ جف ونضب الْجُودِيِّ جبل معروف في ديار بكر.
المعنى:
تصوير للسفينة وقد سارت وسط المياه. تصوير إلهى.
وهي تجرى بهم وتسير بسرعة دافقة وسط أمواج كالجبال الشاهقة في ارتفاعها وعظم حجمها، ولما رأى نوح نهاية القوم أخذته عاطفة الأبوة واستولت عليه، ونادى ابنه،
وكان في مكان منعزل عنه: يا بنى، اركب معنا سفينة النجاة، وإياك يا بنى أن تكون مع الكافرين المهلكين.
وكان هذا الابن عاصيا لوالده، غير مطيع لأمره كافرا برسالته ووحيه ولذا قال مجيبا أباه: سآوى إلى جبل يحفظني من الماء، يا سبحان الله!! من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل الله فلا هادي له.
نوح يبصّر ابنه طريق الخير فيأبى إلا طريق الشر، ويقول: سألجأ إلى جبل يحفظني من طغيان الماء كأنه فهم أنه ماء من بحر أو نهر له حد محدود يقف أمام ربوة عالية أو جبل شامخ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [سورة القصص آية 56] قال نوح ردا على كلامه وحجته الواهية: يا بنى لا شيء في الوجود يعصم أحدا من أمر الله إذا نزل ويرد قضاءه إذا حكم لكن من رحم الله من الخلق فهو وحده يعصمه ويحفظه، وقد جعل السفينة منجاة للمؤمنين.
وبينما هم في هذا النقاش حال بينهما الموج فكان الابن من المغرقين.
أقرأ يا أخى إن شئت قوله- تعالى- في سورة القمر: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ [11- 16] إنه لتصوير رائع للسفينة.
وقيل: يا أرض ابلعي ماءك وجففيه، ويا سماء أقلعى وكفى عن المطر وامنعيه، وما هو إلا أمر وامتثال، أمر من قال للشيء كن فيكون، فهو أمر تكويني يوجه للعقلاء وغيرهم..
وغاض الماء عقب هذا الأمر، وقضى الأمر، ونجا المؤمنون، وهلك الكافرون فهل من مدكر؟!! واستوت السفينة واستقرت على الجودي، وقيل بعدا وهلاكا، وطردا وعذابا أليما للقوم الظالمين.
ويقول المفسرون مجمعين: إن هذه الآيات من البلاغة بالمحل العالي، والمكان المرموق.
ولما رأى نوح نهاية القصة وقد ختمت بهلاك الكافرين ومنهم ابنه ساورته أحاسيس العطف على ابنه والأسف العميق على نهايته فنادى ربه فقال رب: إن ابني من أهلى، وقد وعدتني بنجاتهم، وأن وعدك الحق وقولك الصدق، وحكمك العدل، وأنت خير الحاكمين، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!! قال الرب- سبحانه وتعالى: يا نوح، إن ابنك ليس من أهلك الذين أمرتك أن تحملهم معك: لماذا؟!! إنه عمل عملا غير صالح، وكفر بالله ورسوله ولا ولاية بين مؤمن وكافر مهما كان قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ [سورة الممتحنة آية 4] وفي قراءة حفص «إنّه عمل غير صالح» كأنه نفس العمل السيّئ مبالغة.
فلا تسألن يا نوح في شيء ليس لك به علم صحيح إنه حق وصواب إنى أعظك وأنصحك أن تكون من الجاهلين يسألون بطلان تشريع الله وقانونه، وتقديره في خلقه فهو العليم بهم البصير بشأنهم، ويظهر لي والله أعلم سؤال كان بناء على أنه رأى ابنه في معزل من القوم فظن أنه ربما يكون قد آمن، ودخل في زمرة أهله، وقد سهل له هذا ما في الإنسان من غريزة حب الولد، فنوح- عليه السلام قد أخطأ في الفهم والاجتهاد، وكان عتاب الله له لأنه نبي وأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
ولذا قال نوح بعد هذا: ربي. إنى أعوذ بك وبجلالك أن أسألك ما ليس لي به علم صحيح.
وإن لم تغفر لي وترحمني: وتقبل توبتي برحمتك التي وسعت كل شيء أكن من الخاسرين.
فانظر يا أخى وفقك الله إلى أن القرابة والأخوة في الله أقوى من قرابة النسب، وأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وأن ابن نوح- عليه السلام حين كفر قد حكم الله عليه بأنه ليس من أهله. واعلم أن الإيمان والصلاح لا علاقة له بالوراثة كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ [سورة الطور آية 21] وأن جزاء الإيمان الصالح من الأعمال يكون في الدنيا غالبا وفي الآخرة حتما.
وقد كان ما كان من قصة نوح مع قومه التي انتهت بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين،