الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما حكى الله- سبحانه- عنهم تلك الاعتراضات الواهية، ورد عليهم أبلغ رد وأكده مبينا أنه أنزل لهم كتابا فيه ذكرهم وشرفهم وسعادتهم، وهو المعجزة الباقية.
بالغ في زجرهم وتهديدهم بضرب الأمثال وذكر مظاهر القدرة القادرة.
المعنى:
وكثيرا من القرى قصمناها وأهلكنا أهلها، لأنها كانت ظالمة لنفسها بالكفر وارتكاب الإثم، وأنشأنا بعدها قوما آخرين.
روى أن المراد أهل قرية مخصوصة كانت باليمن تسمى (حضور) ، وكان لهم نبي فقتلوه فانتقم الله منهم، ولما رأوا أمارة العذاب خرجوا هاربين، فقالت لهم الملائكة استهزاء بهم: لا تركضوا وارجعوا فرجعوا وقتلوا. فلما رأوا القتل قالوا يا ويلنا: إنا كنا ظالمين، ولكن هيهات أن ينفع الندم..!!
فلما أحسوا بأسنا، ورأوا عذابنا الشديد إذا هم يهربون ويفرون مسرعين يركضون دوابهم ويستحثونها، عندئذ. قيل لهم من الملائكة: لا تركضوا، وارجعوا إلى نعمكم التي أبطرتكم وحملتكم على الظلم والكفر والغرور لعلكم تسألون، من الذي أنزل بكم هذا؟! أو تسألون لماذا كان هذا العذاب؟! لما قالت لهم الملائكة: لا تركضوا، وارجعوا إلى مساكنكم ونعمكم، ونزل بهم العذاب من كل جانب كانوا يسمعون مناديا يقول: يا لثارات الأنبياء!! قالوا حينذاك: يا ولينا ويا هلاكنا. إنا كنا ظالمين! فما زالت تلك دعواهم، وما زالوا يرددون تلك المقالة حتى جعلهم ربك كالزرع المحصود بالمنجل، خامدين ميتين لا حركة بهم، كالنار إذا انطفأ لهيبها وأصبحت خامدة لا حياة فيها.
هذا هو الحكم العدل، والقول الفصل، ما يفعل الله بهم هذا إلا بسبب ظلمهم وكفرهم، وها هي ذي آيات عدل الله، ناطقة شاهدة.
وما خلق السماء المرفوعة، والأرض الموضوعة، وما بينهما من عجائب الخلق للهو واللعب كما يفعل بعض الخلق في دنياه، ولكنها آيات شاهدة على حكمة الحكيم، وقدرة القادر العليم، وعدل الحق- سبحانه وتعالى، وكانت ميادين للتفكير السليم، والنظر
الصحيح الذي يوصل إلى العبادة الخالصة لخالقهما، وكانت من نعم الله على خلقه ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [سورة الدخان آية 39] فانظروا لها واعتبروا بها.
لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا، ومن جهة قدرتنا، ولكنا لم نرد إلا الحكمة والصواب فيما خلقنا وفعلنا، وما كنا فاعلين اللهو واللعب أبدا.
وبعضهم يفسر اللعب بالولد، واتخاذه من لدن الله أى: من الملائكة، وذلك ردا على من اتخذ المسيح أو عزيرا ابنا لله- سبحانه وتعالى.
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه، وبل هنا إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب، وتنزيه منه لذاته كأنه قال: سبحاني! لا أتخذ اللهو واللعب من عاداتي، بل من صفاتنا وموجب حكمتنا، وتنزهنا عن القبيح أن نغلب الجد على اللهو واللعب، وندحض الباطل بالحق، استعار القذف والدمغ لضياع الباطل وفنائه، لتصويره بالصورة الحسية المؤثرة، وبيان أثر الحق في محو الباطل ومحقه، فجعل الحق كأنه جرم صلب كالصخرة يقذف به في وجه الباطل، وهو رخو لين، فدمغه وشج رأسه، حتى لم يعد له بقاء في الوجود.
إنه لتصوير رائع مؤثر يهز النفوس، ويستولى على المشاعر، ويجعلنا نتصور الباطل كسير الجناح، ذليل النفس، مشوه الوجه فَإِذا هُوَ زاهِقٌ.
ولكم أيها الظالمون المشركون الويل والثبور والهلاك والدمار، مما تصفون به ربكم من اتخاذ الولد والشريك- سبحانه وتعالى، وكيف يكون ذلك؟ وله من في السموات والأرض، ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا، فكيف يكون له فيهما شريك؟
ومن خلقه فيهما مجادل ومخاصم؟! ومن عنده من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته، والعندية عندية مكانة وتشريف فكيف بكم تستكبرون عن عبادته؟
والملائكة همهم العبادة ليلا ونهارا، لا يستكبرون ولا يعيون، ولا يتعبون، خلقوا هكذا، ليس فيهم داعية من دواعي الشر، وهم لا يفترون
…