الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن الكريم هو المعجزة الباقية الخالدة، الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم القائمة مقام قول الحق:«صدق عبدى في كلّ ما يبلّغه عنّى» لذلك كانت عناية القرآن الكريم بإثبات أنه من عند الله، وليس من عند النبي صلى الله عليه وسلم كما نرى في كثير من الآيات، ولا ننسى أنه أساس الدين، ودستور الإسلام، فإثبات التوحيد، والبعث، وأن القرآن كلام الله من مقاصد الدين الهامة.
المعنى:
وما كان هذا القرآن العظيم الشأن في أسلوبه ونظمه، وبلاغته وحجته، وتشريعه وعلمه، وحكمته وأدبه، وسياسته الإلهية، والاجتماعية، والعمرانية، والاقتصادية وقصصه وأخباره عن الغائب في ضمير الزمن والمستقبل في كنه الكون، نعم ما كان وما صح ولا يستقيم أبدا في نظر العقل أن يفترى هذا القرآن أحد من الناس مهما كان!! يفتريه من دون الله وينسبه إليه إذ لا يقدر عليه إلا الله- سبحانه وتعالى فليس القرآن من كلام محمد وإنما هو وحى من عند الله. ثم ذكر ما يؤكد هذا بقوله:
وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.. أى: ولكن كان هذا القرآن تصديقا لما بين يديه من الكتب السابقة المشتملة على الوحى لرسل الله بالإجمال: كإبراهيم وموسى وعيسى. ولما فيه من الدعوة إلى الإيمان والتوحيد الخالص. وإثبات البعث والجزاء فهو على نسق ما قبله، ومحمد ليس بدعا من الرسل، وكان تفصيل جنس الكتاب المنزل فيه الشرائع والحكم والمواعظ والقصص، وأصول الاجتماع والشرائع فكيف يكون من عند البشر؟! ولا ريب فيه أبدا لأنه الحق والهدى، وهو من عند رب العالمين لا يقدر عليه غيره
وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [سورة النساء آية 82] .
ترى أنه وصف القرآن الكريم بصفات:
1-
لا يصح أن يفترى هذا القرآن، وينسب إلى الله!! 2- وهو مصدق لما قبله ومهيمن عليه.
3-
مفصل الكتاب الإلهى والحكم الرباني.
4-
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين.
5-
هو من عند الله إذ قد تحدى العرب فعجزوا. فهل بعد هذا حجة لمدع أن القرآن ليس من عند الله؟
ثم انتقل القرآن الكريم لبيان عقيدتهم في القرآن، ناعيا عليهم سوء فهمهم بعد ما بين أنه أجل وأعلى من أن يفترى ويختلق.
بل يقولون افتراه محمد من عنده؟!! قل لهم يا محمد: إذا كان الأمر كذلك فأتوا بسورة مثله قوة وإحكاما وبلاغة ودقة، وادعوا من استطعتم دعاءه من دون الله، ليعينكم على عملكم، فإن الخلق مجتمعين عاجزون عن الإتيان بمثله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء 88] إن كنتم صادقين في دعواكم فإن لم تفعلوا هذه ولن تفعلوا أبدا فاسمعوا، وارجعوا إلى الحق وآمنوا بالله، ورسوله، وهذا تحد سافر لقوم أولى بلاغة وقوة، قوم أنفقوا النفس والنفيس للقضاء على دعوة الإسلام، وحاربوا النبي بكل الأسلحة ليطفئوا نور الله فلم يفلحوا. ألست معى في أن هذا إعجاز صارخ، وحجة باقية خالدة على أن القرآن من عند الله، وأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله مع تحديهم، فكيف يكون من عند محمد؟!! بل كذبوا بالقرآن وأنه من عند الله، ولسوء حظهم كذبوا بالذي لم يحيطوا علما به، فهم لفساد طبعهم ورداءة نفسهم كذبوا به قبل بحثه والنظر فيه والإحاطة بجزئياته، وهذا شأن المعاند المعتدى.
ولما يأتهم تأويله، ونتيجة ما فيه من الوعد والوعيد على تكذيب الرسل، وقد كان هذا متوقعا وآتيا لا شك فيه، وقد كذبوا كما كذب الذين من قبلهم.
فانظر كيف كان عاقبة المكذبين من جميع الأمم، وكيف كان نظام الله معهم وسنته
فيهم التي لا تتغير: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [سورة العنكبوت آية 40] .
هؤلاء المشركون منهم من يؤمن بالقرآن باطنا، وإنما يكذبه في الظاهر، بل من زعمائهم من كان يقول فيه: إن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق وما هو بقول البشر.
فهؤلاء عرفوا الحقيقة ولكنهم كذبوا عنادا واستكبارا، ومنهم من لا يؤمن به جهلا وتقليدا من غير نظر ولا معرفة، وربك أعلم بالمفسدين في الأرض بالشرك والظلم والعصيان والبغي فسيعذبهم في الدنيا والآخرة، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ويؤكدها قوله تعالى: وإن كذبوك، وأصروا على ذلك، فقل لهم: لي عملي وهو تبليغ الرسالة والإنذار والتبشير وسيجازينى عليه ربي، ولكم عملكم، الذي تعملونه وسيجازيكم عليه ربكم: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ «1» ، أنتم بريئون مما أعمل، وأنا برىء مما تعملون، ولن يؤاخذ الله أحدا بذنب غيره، وصدق الله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ [سورة هود آية 35] .
وأما أنت يا محمد فلا تعجب من حال هؤلاء، ولا تحزن إن عليك إلا البلاغ وأنت تقوم بعملك خير قيام، ولكن منهم من يستمعون إليك بأسماعهم دون تدبر ولا فهم إذ قلوبهم في أكنة مما تدعو إليه. ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ «2» والسماع النافع للمستمع هو ما عقل بما يسمعه، وعمل بمقتضاه وإلا كان كالأصم الذي لا يسمع، وأنت أيها الرسول لم تؤت القدرة على إسماع الصم حقيقة أو مجازا وهم الذين لا يعقلون.
ومنهم من ينظر إليك بوجهه، ويوجه بصره إليك عند قراءتك القرآن، ولكنه لا يبصر نور القرآن وهدى الدين، وعمى البصيرة (والعياذ بالله) أشد وأنكى من عمى البصر: أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ. والمعنى: أنك لا تقدر على هداية هؤلاء، فمن فقد حاسة السمع لا يسمع ومن فقد حاسة البصر لا ينظر، كذلك من فقد الاستعداد للفهم والهداية لا يمكن أن يهتدى ولا يهديه غيره ولو كان نبيا مرسلا.
(1) سورة يونس آية 52.
(2)
سورة الأنبياء الآيتان 2 و 3.