الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمة، فإذا تكلم القرآن على نفسه في أول السورة وجب أن يقدم التنبيه الذي يوقظ النفوس، ويحرك المشاعر.
ولعل بدء السورة التي ليس في أولها ذكر للكتاب كما هنا وفي سورة الروم، ومريم بحروف ليست لها معاني معروفة لخطر ما بدئت به وأهميته حتى احتاجت إلى هذا التنبيه، ولا عجب ففتنة المسلم كما هنا، وذكر زكريا ويحيى وعيسى كما في سورة مريم والإخبار بالمغيبات في سورة الروم غاية الأهمية ولقد سبق أن تكلمت في هذا الموضوع، وهو موضوع شائك ولعل سلوى الجميع فيه وفي أمثاله قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [سورة آل عمران آية 7] .
المعنى:
ألم. أظن الناس أن يتركوا لأنهم قالوا آمنا في حال أنهم لا يفتنون، ولا يبتلون بأنواع المحن والفتن؟ التي تمحص المتقين المخلصين من المنافقين الكاذبين وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران 154] .
نزلت هذه الآيات في قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام كسلمة بن هشام. وعياش بن أبى ربيعة. والوليد بن الوليد.
وعمار بن ياسر. وياسر أبوه وسمية أمه، فكانت صدورهم تضيق بذلك وربما استنكر بعض الناس أن يمكن الله الكفار من المؤمنين!.
فنزلت هذه الآية مسلية ومعلنة أن هذه هي سيرة الله في عباده اختبار للمؤمنين وفتنة لهم وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ [سورة آل عمران آية 141] .
قال بعض العلماء: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها ما دام هناك إسلام وحق يدافع عنه بعض الناس، فلا بد من وجود إيذاء وشدائد لهم.
ولقد فتنا الذين من قبلهم، وابتليناهم قديما كما ابتلينا إبراهيم بإلقائه في النار، وكما
حصل لقوم نشروا بالمناشير في دين الله فلم يرجعوا عنه أبدا
وروى البخاري عن خباب ابن الأرت: قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟.
فليعلن الله الذين صدقوا أى: فليظهرن الله الذين صدقوا، وليظهرن الكاذبين، إذ علمه بهم حاصل قبل الاختبار وبعده.
بل أحسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا فلا ندركهم؟ أظنوا أنهم يفوتوننا فلا ننتقم منهم. لا. بل إن ربك لبالمرصاد، وسيجازيهم على أعمالهم جزاء وفاقا.
ألا ساء حكمهم وتقديرهم إن فهموا أنهم يسبقوننا.
من كان يرجو لقاء الله ويؤمل ثوابه، ويخاف عقابه فليستعد لذلك اليوم استعدادا كاملا، وليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، فإن أجل الله لآت له، وإن وقته المضروب للقائه آت بلا شك، فمن الخير له الاستعداد لذلك اللقاء بالعمل الصالح، والله هو السميع لكل قول، العليم بكل فعل.
وقد مضت حقائق ثلاثة: هي اختبار المؤمن بالفتن، وعقاب العاصي على العمل، وجزاء المحسن الذي يرجو لقاء ربه آت بلا شك ولا جدل، وربك الغنى عن عباده الطائعين، ولا يضره عصيان العاصين، ومن جاهد نفسه وهواه، واتبع طريق الحق والعدل والكرامة فإنما يجاهد لنفسه لا لغيره مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها «1» إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «2» .
والذين آمنوا وعملوا الصالحات من الأعمال لنكفرن عنهم سيئاتهم التي قد يلمون بها. فالإنسان لا بد أن يرتكب بعض السوء وإن لم يشعر به خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
«3» .
(1) سورة فصلت الآية 46.
(2)
سورة الإسراء الآية 7.
(3)
سورة التوبة الآية 102.