الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
ويقول بعض أفراد الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا: وأبعث للحساب؟!! إن هذا لعجيب!! نعم يقول الكفار منكرين مستبعدين الحياة للبعث والثواب: أحقا أنا سنخرج أحياء بعد أن متنا، وتمكن فينا الموت والهلاك؟! والمراد الخروج من القبر أو حال الفناء، وانظر يا أخى إلى تصوير القرآن لإنكارهم الشديد وأنه منصب على ما بعد الموت، وهو كون الحياة منكرة، ولذا قال: أإذا ما مت لسوف أخرج حيا؟
فهو كقولك أحين تمت عليك نعمة فلان تسيء إليه؟؟ ويقول الله- سبحانه وتعالى في الرد على هؤلاء:
أيقول الكافر ذلك ولا يتذكر أنا خلقناه من قبل، ولم يك شيئا؟!! أيقول الكافر ذلك ولا يتذكر نشأته الأولى، حتى لا ينكر إعادته للبعث فإن الأولى أعجب وأغرب، وأدل على قدرة الله حيث خلقه، ولم يك شيئا أبدا فقد خلقه من غير مثال يحتذيه ولا نظام سابق يعيده ويحييه، وأما الحياة الثانية فقد تقدمت نظيرتها، وكل ما فيها إعادة تأليف أجزاء تبعثرت، وتركيبها كما كانت فالإعادة أهون بالنسبة للأولى، وإن كان البدء والإعادة سواء عند الله- سبحانه وتعالى.
فوربك يا محمد لنحشرنهم والشياطين، إنه قسم من الله برب محمد فهو تشريف له وأى تشريف؟
والله أقسم ليحشرنهم جميعا بعد بعثهم من قبورهم، ومعهم الشياطين التي هي سبب إغوائهم وضلالهم ليأخذ الكل جزاءه غير منقوص وليروا بأنفسهم أن الشيطان أضلهم وأعمى أبصارهم وسيتنصل منهم وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [سورة إبراهيم آية 22] .
ثم بعد هذا لنحضرنهم جميعا حول جهنم جاثمين على ركبهم غير قادرين على الوقوف على أرجلهم من شدة الهول وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [سورة الجاثية آية 28] .
وهل الضمير هنا في قوله لَنُحْضِرَنَّهُمْ للعموم أو للكفار فقط؟ وهذا سيظهر عند الكلام على قوله: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.
ثم بعد هذا لننزعن من كل شيعة الذي هو أشد على الرحمن عصيانا وفسوقا، والمعنى نختار من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم فإذا اجتمعوا في غل واحد طرحناهم في الحجيم على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فالذي بعده وهكذا.
ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بجهنم صليا ودخولا، ومن هذه الآية وأشباهها نعلم أن الله- سبحانه وتعالى جعل لأئمة الكفر وقادة الضلال عذابا أشد، ودركا أسفل في النار الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل 88] وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت 13] .
وإن منكم من أحد إلا واردها، كان على ربك حتما مقضيا، وفي هذه الآية الحكم بورود جميع الخلق على النار، ومن هنا اختلف المفسرون في معنى الورود. فهل هو الدخول بالفعل؟ أو هو المرور عليها من غير دخول؟ قيل الناس جميعا يدخلونها فأما المؤمنون فتكون عليهم بردا وسلاما،
وروى في تلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال. إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد وردتموها وهي جامدة
، وأما قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ «1» فالمراد أنهم مبعدون عن عذابها، ولعل الحكمة في الورود بهذا المعنى ليروا ما أعد للكافرين والعصاة، وما أعد لهم فيزدادوا فرحا وسرورا، وليمتلئ قلب الكافر حسرة وندما على ما فرط منه.
ويجوز أن يراد بالورود الجثو حولها فقط من غير دخول فيها، أو الورود بمعنى المرور على الصراط أما المؤمنون فينجون وأما الكافرون فيسقطون، ويرشح هذا أن قول العرب «وردت القافلة البلد» لا يلزم منه دخولها وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ «2» ولعل الرأى الأول أرجح وهو تفسير الورود بالدخول لقوله تعالى.
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا حيث لم يقل وندخل الظالمين، ولتظاهر السنة الشريفة على هذا المعنى.
وهذا كله إذا أريد العموم في قوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أى: من الناس جميعا فإن أريد الكافرون فقط فلا خلاف في معنى الورود.
(1) سورة الأنبياء الآية 101.
(2)
سورة القصص الآية 23.