الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
مَثَلُ الْجَنَّةِ صفتها العجيبة التي تشبه المثل في غرابتها الْأَحْزابِ جمع حزب ويطلق على الطائفة المتحزبة المجتمعة لشأن من الشئون مَآبِ مرجع واقٍ
حافظ أَجَلٍ الأجل المدة والوقت كِتابٌ قيل: هو الحكم المعين الذي يكتب على العباد على حسب ما تقتضيه الحكمة أُمُّ الْكِتابِ أصله قيل: هو علم الله وقيل غيره.
هكذا ديدن القرآن إذا وصف النار وعذابها قفّى على ذلك بذكر الجنة ونعيمها وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً [سورة الفرقان 11- 15] إلى آخر الآيات من السورة.
المعنى:
يريد الله- تبارك وتعالى أن يمثل الغائب بما هو مشاهد معروف عندنا، تقريبا للأفهام وتوجيها للأذهان، وإلا فالجنة على حقيقتها شيء لا يدرك كنهه إلا بعد دخولها والتمتع بها- إن شاء الله- فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ [سورة الزخرف آية 71] .
فيما يتلى عليكم صفة الجنة التي وعدها الله للمتقين تجرى من تحتها الأنهار سارحة في أرجائها وجوانبها وحيث شاء أهلها يفجرونها تفجيرا، ويوجهونها حيث أرادوا مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [سورة محمد آية 15] .
أكلها دائم وظلها دائم وفيها الفواكه والمطاعم والمشارب بلا انقطاع ولا فناء وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [سورة الواقعة الآيتان 32 و 33] وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [سورة الإنسان آية 14] تلك عقبى الذين اتقوا وهذا جزاؤهم، وعقبى الكافرين وجزاؤهم ونهايتهم النار التي وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم.
وهذا الذي مضى من وصف الجنة والنار، وغير ذلك مما نزل به القرآن. الناس فيه على صنفين: مصدق ومكذب، فالذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى وهم قائمون بمقتضاه، ومؤمنون حقا بما فيه يفرحون بما أنزل إليك من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به.
ومن الأحزاب من ينكر بعضه، نعم كان من أهل الكتاب عبد الله بن سلام، وتميم الداري من المؤمنين الكاملين، وبعضهم كان يتحزب على النبي ويؤلب عليه ككعب بن الأشرف وغيره من زعمائهم ورؤسائهم ينكرون بعض القرآن وهو ما لم يوافق ما حرفوه من كتبهم وشرائعهم المغيرة.
وكيف تختلفون بين مصدق ومكذب؟ وهناك أساس واحد هو الذي يحتاج إليه المرء ليفوز بالسعادة، وهو ما أمر الله به نبيه فقال: قل يا محمد: إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به شيئا، إليه وحده أدعو وإليه وحده مآبي ومرجعي، فهذا هو التوحيد الخالص الكامل، وتلك الرسالة بإيجاز، دعوى إلى الله فقط وطاعة وإخلاص وعبادة واستعانة بالله وحده، وأما المرجع والمآب والحساب والجزاء فإليه وحده أيضا.
ومثل ذلك الإرسال للرسل قديما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك كتابا هو القرآن وهو كتاب محكم الآيات، فيه الحكم الحق والقول الفصل، أنزلناه حكما بلسان عربي مبين فكان مبينا لمقاصده موضحا لمراميه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصلت آية 42] .
ولئن اتبعت يا محمد أهواءهم وآراءهم من بعد ما جاءك العلم من الله- سبحانه وتعالى فليس لك من دون الله ولىّ ولا ناصر، وهذا وعيد وتهديد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعد الذي وصلوا إليه من الوقوف على أسرار الشرع والإلمام بالسنة النبوية والحجة المحمدية.
روى أن اليهود عابت رسول الله بكثرة النساء، وقالوا لو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء
. وقد لجوا في طلب الآيات كما تقدم، فرد الله عليهم ليس محمد بدعا من الرسل، ولقد أرسلنا قبله رسلا وكانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويفعلون كل ما يفعله البشر قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الكهف 110] وصدق الله فهذا تسجيل في القرآن لا يقبل شكا ولا جدلا وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمّا أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللّحم، وأتزوّج النساء فمن رغب عن سنّتى فليس منّى»
. وأما الآيات المقترحة فتلك نغمة رددها القرآن ورد عليها كثيرا بما يفيد أن الرسول رسول فقط والآيات من عند الله، وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله وأمره، وقد جاءكم القرآن وكفى به معجزة خالدة باقية ثابتة على جهة التحدي والإفحام.
والآيات لا تأتى اعتباطا ولكنها لحكمة وفي زمن، الله يعلمه لكل أجل كتاب أى:
لكل مدة مضروبة ووقت معلوم كتاب مكتوب، وكل شيء عنده بمقدار إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [سورة القمر آية 49] لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ [سورة الأنعام آية 67] وقيل المعنى: لكل كتاب أجل، أى لكل أمر كتبه الله أجل معين ووقت معلوم، فليست هناك آية مقترحة بنازلة قبل أوانها، ولا عذاب استعجلوه بنازل قبل أوانه، فالآجال والأعمار والأرزاق والأحداث، كل ذلك بقضاء الله وقدره، وله وقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف آية 34] .
يمحو الله ما يشاء من الأحداث الكونية والإنسانية ويثبت ما يشاء من هذا كله في الخارج، وعنده- سبحانه وتعالى أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، أو علمه- جل شأنه- ثابت أزلا لا يتغير ولا يتبدل كل شيء على حسب علمه ووفق إرادته، والمعنى يمحو ويثبت في الخارج ما يشاء، وعلمه لا يتغير ولا يتبدل وهو موافق لما في اللوح المحفوظ، ومظاهر المحو والإثبات نراها في كل لحظة من ليل ونهار، وشمس وقمر، ونور وظلام، وحياة وموت، وقوة وضعف، وزرع وحصاد إلى آخر ما في الأحداث الكونية، هذا المحو والإثبات خاضع لعلمه القديم الذي لا يتغير ولا يتبدل، وعلى هذا فالآية رد- أيضا- على اقتراحهم الآيات حيث كان المحو والإثبات خاضع لمشيئة الله ولقانونه الذي وضعه، وهو لكل كتاب أجل محدود لا يتقدم ولا يتأخر.