الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
وأخيرا ولدت أم موسى (قيل اسمها يوكابد وقيل غيره وهذا لا يهمنا في شيء) ولدت موسى في وقت شديد على بنى إسرائيل، كان يقتل فيه فرعون ذكورهم ويبقى نساءهم فماذا تفعل تلك الأم المسكينة؟! إن ابنها سيكون له شأن، وهو النبي الذي ينقذ بنى إسرائيل، ويرسل إليهم، وتنزل عليه التوراة، وفيها هدى ونور، فمن المعقول أن يرعاه ربه ويحفظه حتى يؤدى رسالته، وقد كان ما أراد الله، وصنعه على عينه، فلما ولدته أمه خبأته من عيون فرعون، فمكث عندها زمنا فلما خافت عليه وخافت من انكشاف سرها المكتوم فيقضى على فلذة كبدها، وموضع أملها لما حصل هذا أوحى الله إليها وألهمها- وهو القادر على كل شيء- أن تصنع له تابوتا ثم تضعه فيه، وتلقيه في البحر.
وهنا نقف لحظة أمام قوله تعالى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي «1» إذ كيف يكون الإلقاء في البحر نتيجة الخوف؟ وهل من المعقول أنى إذا خفت على ابني مكروها ألقيه من النافذة؟! ولكنها عناية الله ورعايته تحوط بأنبيائه ورسله، وهم في المهد بل وفي ظهور آبائهم
«خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح»
عناية الله ورعايته بهم هكذا تكون لهم إرهاصا بنبوتهم، ودليلا على أنهم ليسوا بشرا عاديين، فحينما تلقى أم موسى به في البحر الذي يغرق الرجال والشبان، ثم يحفظه الله لها، بل ويرده إليها كما وعدها. تعلم علما أكيدا أن وعد الله حق، وأنه القادر المقتدر لا تخفى عليه خافية، ويكون في هذا دليل على صدق موسى فيما يدعيه مستقبلا إذا خفت عليه من فرعون فألقيه في البحر، ولا تخافي عليه من الغرق فعين الله ترعاه.
وإذا العناية لاحظتك عيونها
…
نم فالمخاوف كلهنّ أمان
أليس في هذا عبرة وعظة للمسلمين في مكة قبل الهجرة.
ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين.
وكان من أمرها أنها ألقته بتابوته في البحر فالتقطه آل فرعون، وهم أعداء له ولربه، ولكن الله ألقى عليه المحبة؟ فأحبته امرأة فرعون وحافظت عليه. وأبقته قرة عينها وعين
(1) سورة القصص الآية 7.
زوجها فرعون، راجية أن ينفعهما أو يتخذاه ولدا لهما إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي
[سورة طه آية 39] .
التقطه آل فرعون لتكون العاقبة والنهاية أن موسى يصير لهم عدوّا مبينا ومصدر حزن وتعب لهم جميعا، إن فرعون وهامان وزيره وجنودهما كانوا مجرمين ومذنبين، إذ لا يستوي الخبيث والطيب
…
فلما وصل إلى بيت فرعون قالت امرأته عند ما وقع نظرها عليه- وقد ألقى الله عليه محبتها- قالت هذا الطفل ألمح فيه أنه سيكون لنا سلوى، به تقر عيوننا، وتسكن نفوسنا، فلا تقتلوه، يا فرعون عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا نتبناه، قالوا هذا وهم لا يشعرون ما يضمره الغيب لهم بسبب ذلك الطفل.
ولما حصل هذا ألقت أم موسى به في البحر. وهو ابنها فلذة كبدها أصبح فؤادها فارغا من كل شيء إلا من موسى وخبره، وانتابتها الهواجس والظنون، واعتراها ما يعترى البشر من الهلع والجزع عند فقد الحبيب، إنها أوشكت أن تخبر أن الذي وجدتموه هو ابني، وفي رواية كادت تقول: وا ابناه!! من شدة وجدها عليه، كادت تفعل ذلك لولا أن ربطنا على قلبها وألهمناها الصبر، كما يربط على الشيء ليسكن ويستقر لأمر الله، ولتكون من المؤمنين حقّا بقضاء الله وقدره، المصدقين بوعده.
وكان من أمرها أنها أمرت أخته أن تقتفى أثره، وتقف على خبره، فأبصرته من مكان بعيد، وهو في بيت فرعون تعرض عليه المرضعات فيأبى أن يرضع من إحداهن لأن الله حرم عليه المراضع، فقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم، ويقومون بخدمته وإرضاعه والعناية به ونظافته؟ ولا شك أن هذا عمل يقوم به أهل بيت لا امرأة واحدة، وأهل هذا البيت لفرعون وعرشه ناصحون فلا تخشون منهم سوءا، وكان ما أشارت به أخته.
وانظر إلى تدبير الله- جل جلاله، الرحمن الرحيم بخلقه، وخاصة أولياءه وأحبابه، حيث أعاد لأم موسى ابنها ترضعه وتربيه، وتكون ظئرا له، وتتقاضى على ذلك كله أجرا، وهي آمنة من كيد الكائدين، وسعى الساعين.