الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تَتْبِيبٍ مأخوذ من التباب أى: الخسران والهلاك يقال تب فلان، وتبت يده أى: خسر وهلك شَقِيٌّ الشقي: من استحق النار لإساءته سَعِيدٌ من استحق الجنة لعمله بعد فضل الله ورحمته زَفِيرٌ الزفير إخراج النفس، والشهيق رده مع السرعة والجهد مَجْذُوذٍ مقطوع مأخوذ من جذه يجذه إذا قطعه أو كسره.
المعنى:
ذلك الذي ذكرنا بعض أنباء القرى التي ظلمت نفسها وعصيت رسلها نقصه عليك للعبرة والعظة ولمعان أخر، ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه، من القرى ما له بقايا آثار باقية كالزرع القائم، ومنها ما عفى ودرس حتى لم يعد له أثر كالزرع المحصود، وما ظلمناهم في شيء أبدا بل أرسلنا لهم الرسل لهدايتهم وتنوير بصائرهم ولكنهم ظلموا وبغوا وما ازدادوا إلا فجورا وضلالا، أنذرتهم رسلهم بالعذاب فتماروا بالنذر، واتكلوا على آلهتهم في دفع العذاب عنهم فما أغنت عنهم آلهتهم شيئا لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير هلاك وضلال فإنهم باتكالهم عليهم ازدادوا كفرا وإصرارا وظلما وضلالا.
ومثل ذلك الأخذ بالعذاب والنكال أخذ ربك إذا أخذ القرى في حال تلبسها بالظلم في كل زمان ومكان، إن أخذه أليم شديد موجع قاس، فاعتبروا يا أولى الأبصار فهل من مدكر؟ يا كفار قريش لستم بأقوى منهم وأشد بأسا، وليس رسولكم بأقل من
إخوانه الرسل أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [سورة الروم آية 9] .
إن في ذلك القصص الذي مضى لآية قوية وحجة ظاهرة على أن هذا الكون يجرى على سنن مرسوم ووضع مقصود لله- سبحانه وتعالى، وإنه لآية لمن يؤمن بالآخرة والحياة فيها وأنها محل الثواب والعقاب، أما من لم يؤمن بها ويقول إن عذاب الأمم كان طبيعيا فالغرق والصاعقة والزلازل أمور طبيعية ليست إلهية فنقول له على رسلك:
إن عذاب الأمم أتى بعد إنذار الرسل لأقوامهم. وقد كان محددا بوقت تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ.
وإنه لآية على أن عذاب الآخرة. ذلك اليوم المعد له يوم مجموع له الناس للحساب وذلك يوم مشهود فيه، يشهده الخلق جميعا.
وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء مدة محدودة في علمنا وتلك هي عمر الدنيا.
يوم يأتى ذلك اليوم المعهود المعروف لا تتكلم نفس إلا بإذنه- سبحانه- فهو صاحب الأمر والنهى والإذن يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [سورة النبأ آية 38] يوم تخضع فيه الأصوات فلا تسمع إلا همسا يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [سورة طه آية 109] هو يوم شديد هوله، طويل وقته مختلف حاله فتارة يؤذن لهم بالكلام فيعتذرون ويندمون وطورا جامدون جمود الصخر لشدة الهول، ونفى الكلام إلا بإذنه يفسر لنا الجمع بين الآيات المثبتة للكلام والنافية له.
فمن الناس شقي حقت عليه الكلمة وعمل عمل أهل النار، ومنهم سعيد، أريد له الخير فعمل عمل أهل الخير، وكل ميسر لما خلق له.
فأما الذين شقوا في الدنيا بالعمل الفاسد والاعتقاد الزائغ، ففي النار مستقرهم ومثواهم، لهم فيها زفير وشهيق من شدة الكرب، وضيق الصدر بما حل بهم فهم يتنفسون الصعداء تكاد صدورهم تخرج من شدة الحزن والبكاء خالدين فيها وباقين بها ما بقيت السموات والأرض، وهل تبقى السموات والأرض؟ نعم تبقى بشكل
آخر ولون آخر الله أعلم به يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ وسماء كل من أهل النار والجنة ما فوقهم، وأرضهم ما تحتهم.
قال ابن عباس: لكل جنة أرض وسماء. وهذا معنى قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً إذ العرب يريدون بمثل هذا التركيب التأبيد.
هذا الخلود وهذا الدوام ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، وللعلماء قديما وحديثا في هذا الاستثناء وأمثاله أقوال كثيرة ذكر القرطبي منها عشرة والظاهر والله أعلم أنه استثناء من الخلود على معنى أنهم خالدون فيها إلا ما شاء ربك من تغيير هذا النظام المعد، ويكون المراد أن كل شيء في قبضته وتحت تصرفه إن شاء أبقاه وإن شاء منعه ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى: حكاية عن الرسول قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ.
وقيل: هو استثناء من الدوام في قوله: ما دامَتِ لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السموات والأرض في الدنيا لا في الجنة ولا في النار فكأنه قال خالدين في النار أو في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
والرأى الأول ذكره تفسير المنار وأظنه هو المناسب لقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ هـ ويشاءه- سبحانه وتعالى.
وأما الذين سعدوا فهم في الجنة خالدين فيها وماكثين بها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مقطوع ولا ممنوع.
وانظر إلى الفرق بين ختام الآيتين فكل من الجزاءين دائم- بمشيئة الله تعالى- ولكن جزاء المؤمنين السعداء هبة منه وإحسان دائم غير مقطوع وصدق رسول الله «لن يدخل أحد منكم الجنّة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى الله برحمته» وأما الكافرون فجزاؤهم موافق لأعمالهم.