الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
كان المشركون يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم في توعده لهم إذا أصروا على الشرك، وكانوا يستعجلونه استهزاء به وتكذيبا، ويتمنون موته ظنا منه أنه إذا مات ماتت دعوته.
فيرد الله عليهم بما يكبتهم، ويشد من عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم. وإما نرينك أيها الرسول بعض الذي نعدهم أو نتوفينك قبل أن ترى ما يحل بهم، فإلينا المرجع والمآب، وقد رأى رسول الله بعض الذي وعدهم الله ببدر وحنين، وغيرهما، والمراد تأكيد الموعود به من العقاب في الدنيا والآخرة، فإلينا مرجعهم، ثم الله شهيد على ما يفعلونه مطلقا وسيجازيهم به على علم وشهادة حق.
ولستم أنتم يا أمة محمد بدعا بين الأمم، بل هناك قانون عام يشمل الجميع هو:
ولكل أمة من الأمم رسول يهديهم ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد، فإذا جاء رسولهم وكذبوه وكفروا به، وقامت الحجة عليهم قضى بينهم بالقسط، وهم لا يظلمون إذ العدل يقتضى إثابة الطائع والعاصي كل بما يستحق.
ويقولون متى هذا الوعد؟ ومتى يكون؟!! إن كنتم أيها المؤمنون صادقين وهنا يلقن الله رسوله الجواب قل لهم: إننى بشر مثلكم، ورسول من رب العالمين، لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا، فكيف أملك لغيري؟ وليس لي علم بشيء، وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ، وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ «1» ، لكن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله- سبحانه- جعل لكل أمة أجلا لبقائها وهلاكها لا يعلمه إلا هو فإذا جاء الأجل المضروب والوقت المحدود لنفاذ أمره، فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون لحظة، ولا يملك رسولهم أن يؤخر أو يقدم شيئا، وهذا هو النظام العام.
ومن هنا نعلم أن المؤمن يجب أن يعتقد أنه ليس هناك بشر في الوجود حيا أو ميتا رسولا أو وليا له دخل في شيء فهذا إمام الأنبياء وخاتم المرسلين يسجل الله عليه في القرآن قوله: لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا. وقد قرر ذلك في القرآن بأساليب متعددة. وهاكم رد آخر على استعجالهم:
(1) الأعراف 188.
قل لهم: أخبرونى إن أتاكم العذاب المعد للعصاة والمجرمين وأنتم بالليل نائمون أو في النهار لاهون أو مشتغلون، ولا يخلو الحال من واحد منهما، إن أتاكم العذاب ماذا تستعجلون؟ أعذاب الدنيا أم عذاب الآخرة، إن كان هذا أو ذاك فهو حماقة وجهالة، لأنه استعجال لأمر محقق الوقوع.
أيستعجل بالعذاب المجرمون منكم، ثم إذا وقع آمنتم به يوم لا ينفع نفسا إيمانها ما لم تكن آمنت من قبل، إذ فرق بين الإيمان والتصديق الخالص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين الإيمان للضرورة ولرؤية الخطر الداهم.
ويقال لكم حينئذ: توبيخا وتأنيبا الآن آمنتم به اضطرارا؟ وقد كنتم به تستعجلون تكذيبا واستنكارا وتعجيزا، ثم قيل للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصيان ذوقوا عذاب الخلد، والعذاب الدائم المستمر المعد لكم ولأمثالكم، هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون؟!! ويستنبئونك أيها الرسول، ويطلبون منك الخبر الصحيح أحق هذا الذي تقوله وتعد به الكفار؟ أحق هو؟ كأنهم لم يكونوا على يقين من تكذيبهم وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا قل لهم أيها الرسول: نعم إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. ما لَهُ مِنْ دافِعٍ وما أنتم بمعجزين، ولا أنتم بهاربين وكيف تعجزون خالق السماء والأرض، وكيف تهربون؟ ولأيّ جهة تتجهون؟!! هذا العذاب الذي تستعجلونه في الدنيا، والذي أعد لكم في الآخرة، عذاب الله أعلم به وقد وصفه الله فقال: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ بالاعتداء على نفسها أو على غيرها، ولو أن لها كل ما فِي الْأَرْضِ ثم رأت العذاب المعد لها لَافْتَدَتْ بِهِ نفسها، ولكن أنى لها ذلك؟
وهم حين يرون العذاب يسرون الندامة لاعتقادهم أنه لا فائدة في إظهار الندم والحسرة على ما فرط، وتارة يجهرون ويقولون: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وقضى بينهم بالقسط، وهم لا يظلمون.
والله- سبحانه- قادر على ذلك، ووعد به، ووعده الحق وكلامه الصدق، وهو القادر على كل شيء، وإليه المرجع والمآب ولذا اختم الآية بقوله: ما معناه أَلا إِنَّ لِلَّهِ