الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ننتزع منها بسرعة أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً نجعل مكانهم حرما ذا أمن بَطِرَتْ مَعِيشَتَها البطر الأشر وقلة احتمال النعمة والطغيان بها، وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة والمراد طغت وتمردت في زمن معيشتها أُمِّها عاصمتها.
المعنى:
ما مضى كان في بيان فريقين من الناس، فريق طغى وبغى وكفر بالله ورسله، وفريق آمن واهتدى واستجاب لداعي الحق، واتبع رسول الله، ومن هؤلاء وأولئك خلق كثير فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم:
إنك لا تهدى من أحببت من الناس، ولا تدخلهم في حظيرة الإيمان، إنما عليك فقط البلاغ والدعوة إلى الله وبيان الشريعة الغراء، ولكن الله- سبحانه- يهدى من يشاء ويوفقه ويشرح صدره للإسلام أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ. لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ نعم الله يهدى من يشاء، وله الحكمة البالغة، والعلم الكامل بخفيات القلوب وبذات الصدور، وهو أعلم بمن عنده الاستعداد للهداية والخير، فيهديه ويوفقه، وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبى طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والكل يعلم أنه كان يحوط النبي ويرعاه، ويحبه حبا شديدا ويتولاه، فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام فسبق القدر فيه، ولم يرد الله به خيرا، فاستمر على ما كان عليه من الكفر، ولله الحكمة البالغة.
وقال بعض المشركين معتذرا بأعذار واهية: إننا إن اتبعنا الهدى الذي جئتنا به، والنور الذي أنزل معك نخشى إن فعلنا ذلك أن يقصدنا المشركون وأحياء العرب من كل جانب بالأذى والحرب ويأخذونا بسرعة وشدة لا قبل لنا بها، ألم تر إليهم وقد خافوا المخلوق الضعيف وأمنوا مكر الخالق الكبير ذي البطش الشديد الفعال لما يريد؟! عجبا لهؤلاء أنسوا ولم يعلموا أن الله مكن لهم في الأرض، وأنزلهم بلادا جعلها حرما آمنا، يقدسه العرب جميعا، وتحج إليه، وتحترم سكانه وأهله وتدين لهم بالإمارة والسيادة عليهم، فيه أسواقهم واجتماعاتهم، وفي بلادهم يأمن الخائف، ويطمئن القاتل وتسكن نفس المعتدى، فالعرب كانت تحرم الاعتداء في الحرم، وفي الأشهر الحرم، وكل هذا بتوفيق الله، وهو الذي جعل في قلوب الناس شوقا إليه وحنينا لزيارته وحجه فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ فكانت فيه الثمرات من كل جهة رخيصة كثيرة، جعلها الله من لدنه رزقا لأهله، أظن هذا العذر الواهي لا يكون مقبولا بعد هذا كله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون وهذا رد آخر لقولهم:
إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا إذ هم قد اعتقدوا خطأ أنهم ماداموا على شركهم فإنهم في أمن ودعة، وإن اتبعوا الرسول نزل بهم البلاء، فبين الله لهم أن الأمر بالعكس، وأنهم إن تركوا الشرك وأسلموا لله رب العالمين أمنوا من عذاب الدنيا والآخرة، وكانوا عند الله من المقربين، وإن ظلوا على دينهم وتمسكوا بباطلهم
حق بهم العذاب من كل جانب، واستحقوا عذاب الدراين بدليل أن الله- سبحانه- أهلك كثيرا من أهل القرى بأنواع العذاب الشديد المبيد المهلك لكفرهم، وقد كانوا يمرحون في النعيم، ويعيشون في بلهنية من رغد العيش فمن الخير لكم يا كفار مكة أن تخشوا بأس الله، ولا تغتروا بالأمن الذي أنتم فيه، فكثير من أهل القرى كانت مثلكم فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف جزاء لما كانوا يعملون، وها هي ذي مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، وكان ربك خير الوارثين، تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، وليعلم الكل أنه هو الحكم العدل، صاحب الموازين القسط، فلا تظلم نفس شيئا، وما كان ربك مهلك القرى والجماعات حتى يبعث رسولا يدعوهم إلى الهدى، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم، فإن اتبعوه وآمنوا به نجوا جميعا، وإن خالفوه وكفروا به ضلوا وحاق بهم سوء العذاب فما ثبت في حكمه الماضي وقضائه السابق أن يهلك القرى حتى يبعث في عاصمتها رسولا يتلو عليهم الآيات لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكان هلاكه للظالمين فقط، الكافرين بالله ورسوله، وها أنتم أولاء جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص على إيمانكم، بالمؤمنين رءوف رحيم، فاحذروا العذاب إن بطش ربك لشديد
…
وهذا رد آخر على من يشترى الضلالة بالهدى. ويبيع الباقية بالفانية والآخرة بالدنيا، وما أوتيتم من شيء من الدنيا ونعيمها فهو متاع الحياة فقط وزينتها، والآخرة خير وأبقى، وما عند الله من ثواب وجزاء خير من الدنيا وما فيها، إذ متاع الحياة الدنيا متاع زائل ينقصه ذكر الموت، وفناء الخلق، أفلا تعقلون؟ وتتعظون وتؤثرون الدين على الهوى والغرض!!.
أفمن وعدناه وعدا حسنا على العمل الصالح فهو لاقيه حتما ومصيبه في الجنة بلا شك، أفمن وعدناه هذا كمن متعناه المتاع الفاني، والغرض الزائل، ثم هو يوم القيامة من المحضرين؟!! الأول هو المؤمن والثاني هو الكافر، ولا يعقل التساوي بينهما! فمن العقل والحكمة أن نكون من الصنف الأول الذي يجمع بين الوعد الحسن في الآخرة، والعمل الصالح في الدنيا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم..
وفي هذه الآيات رد على مزاعم المشركين، وشحذ لعزائم المسلمين في وقت هم في أشد الحاجة إلى ذلك، ثم بعد ذلك تعرض القرآن لحال الكفار يوم القيامة.