الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
هذا لون آخر من ألوان صنعه الباهر، ومظهر من مظاهر قدرته وألوهيته في الإنسان، وما يتصل به بعد بيان ذلك في المطر والنبات والحيوان.
والله خلقكم يا بنى آدم، ولم تكونوا شيئا ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وأردئه لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ «1» . اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً «2» فمن يكبر في السن حتى يبلغ أرذل العمر يفقد قوة إحساسه وشعوره العام، بل ويصبح كالطفل من ناحية إدراكه ورغبته في تحقيق ما تصبو إليه نفسه، ولقد صدق الله حيث علل بلوغه أرذل العمر بقوله: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً من العلم لا كثيرا ولا قليلا بعد علم كان قد حصل له، أما تحديد أرذل العمر فذلك موكول إلى ظروف الإنسان، وإن كان الغالب أن يكون بعد الخامسة والستين.
وهذا حكم غالبى
ففي الحديث ما معناه: «خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله» .
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا، ولم يترك الله الغنى يعبث بماله حيث شاء، بل جعل للفقير في ماله حقا معلوما، وللدولة ممثلة في الحاكم المسلم حق آخر تبعا لظروف الدولة العامة.
ومع هذا فما الذين فضلهم الله بسعة الرزق على غيرهم برادي رزقهم- الذي أعطاه الله لهم بلا سبب- فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم من عبيدهم وإمائهم فالمالكون والمملوكون في الرزق سواء عند الله إذ هم أنفقوا من مال جعلهم الله خلفاء عليه.
ومعنى الآية بالتوضيح أن الله فضل بعضا على بعض في الرزق، وأوجب على الغنى أن يعطى الفقير، وعلى المالك أن يعطى المملوك، ومع هذا فلم يعط غنى فقيرا ولم يرد مالك على مملوك رزقا حتى يتساوى معه، وإنما يردون عليهم شيئا يسيرا، وندرا قليلا في بعض الأحيان.
وهذا مثل ضربه الله للناس بمعنى: إذا كنتم لم ترضوا أن يكون خدمكم معكم
(1) سورة التين الآيتان 4 و 5.
(2)
سورة الروم الآية 54.
بل والفقير من جلدتكم وعصبتكم يكون معكم سواء في الرزق الذي رزقكم إياه الله فكيف تجعلون عبيدي معى سواء؟! وتجعلونهم لي شركاء في الألوهية، وأنتم وخدمكم سواء في البشرية وأنتم تنفقون مما جعلكم خلفاء فيه، ومع هذا ما رضيتم بالتساوي، فكيف تسوون بين الخالق البارئ فاطر السموات والأرض وهذه الأصنام والأوثان؟! أتشركون به فتجحدون نعمته عليكم التي ذكر جزء منها في هذه السورة؟! والله جعل لكم من أنفسكم وجنسكم أزواجا لكم تسكنون إليهم، وجعل بينكم مودة ورحمة، وجعل لكم منهم بنين وحفدة.
ورزقكم من الطيبات التي تستطيبونها في الدنيا أعموا؟ فبالباطل من الشركاء والأصنام يؤمنون به وحده، وبنعمة الله البينة السابقة التي لا تعد ولا تحصى هم يجحدون ويكفرون؟! ويعبدون من دون الله أشياء لا تملك لهم رزقا أى رزق من السموات والأرض، ولا يستطيعون هذا أبدا، وانظر إلى الجمع بين نفى الملك، ونفى الاستطاعة، وإذا كان الأمر كذلك فلا تضربوا لله الأمثال والأشباه والنظائر فلله المثل الأعلى، وهو لا يشبه أحدا من خلقه أيا كان، واعلموا أن البحث في كنه ذات لله إشراك، والوقوف عند ما أجمله الله إدراك.
وقد كانوا يقولون، إن الملوك تخدمهم الأكابر، والأكابر تخدمهم العبيد فهؤلاء أصنام نتخذهم قربى وواسطة إلى الله العلى الكبير، وهذا خطأ فاحش، وفهم سقيم وقياس الخلق على الخالق.
ليس بينك وبين الله حجاب، وليس له وزير ولا حاجب بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو الذي يقول: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة 186] .
إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون شيئا فاسمعوا وأطيعوا يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى
…