الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
الله- سبحانه وتعالى نزل القرآن، وهو كتاب لا ريب فيه، متشابه في البلاغة والبيان، محكم في الحجج والبراهين، تقشعر عند تلاوته قلوب الذين يخشون ربهم ثم تلين لذكر الله، وهذا هو القرآن كتاب الله، وهذا هو موقف المؤمنين منه. أما الذين ختم الله على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة التعامي عن الحق فيقولون: ما هذا إلا إفك وكذب قد توغل في البعد عن الحق، وقد افتراه محمد من عنده، وأعانه عليه قوم آخرون، هم بعض اليهود. ومن أسلم من أهل الكتاب كأبى فكيهة مولى بن الحضرمي، وعداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى عامر ابن الحضرمي، ولقد رد الله عليهم هذه الشبهة والواهية بقوله فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً.
نعم لقد قالوا شيئا إدّا- منكرا عظيما- فقد تحداهم الله على لسان النبي بالقرآن تحديا ظاهرا على أن يأتوا بمثله، مستعينين في ذلك بشهدائهم وأعوانهم من الإنس والجن، فلو كان محمد افترى هذا القرآن، وكذب في نسبته إلى الله، واستعان على ذلك بقوم آخرين، فلم لم تستعينوا أنتم أيها المشركون بهم أو بغيرهم وتأتوا بمثل هذا القرآن؟ وأنتم أهل الفصاحة والبيان، فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، هذا أبدا رغم شدة تلك النتيجة عليكم فاعلموا أنكم بقولكم إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ.. قد جئتم بظلم وزور من القول لا سند له أصلا، أما أن قولكم ظلم فلأنكم نسبتم القرآن إلى النبي، وهو مبرأ منه لأنه من عند الله، ولا شك أن ذلك ظلم، وأما أنه وزر فلأنكم قلتم كذبا وادعيتم باطلا، وانظر إليهم في شبهتهم الثانية حيث قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا يا لها من شبهة واهية!! أهذا القرآن المحكم الآيات أساطير الأولين وأحاديثهم؟! كتبها النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه أمر بكتابتها له إذ هو أمى لا يقرأ ولا يكتب، فهي تملى عليه وتقرأ أول النهار وآخره ليحفظها، ويلقى عليكم ما يتلى عليه صباحا في المساء، وما يتلى عليه في الأصيل يقرأه عليكم في الصباح.
وقد رد الله عليهم بقوله قُلْ أَنْزَلَهُ على رسوله ربكم الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وأخفى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أنزله عالم الغيب والشهادة فكيف يكذب عليه النبي في نسبة القرآن إليه، ويتركه وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ والله- سبحانه وتعالى هو القادر وحده على تركيب مثل هذا
القرآن. وعلى إيجاده كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ومع هذا فالله غفور رحيم لمن يتوب ويرجع عن عناده وكفره.
وانظر إليهم، وقد ساقوا صفات النبي صلى الله عليه وسلم زعموا أنها تتنافى مع الرسالة، وهذه الشبهة إن دلت على شيء فإنما تدل على قصر في العقل، وسوء في الرأى، ومادية غالبة أضلتهم السبيل، وأعمتهم عن الصراط المستقيم.
(1)
يأكل الطعام (2) يمشى في الأسواق.
(3)
ليس معه ملك من السماء يؤيده.
(4)
لم يلق إليه كنز ينفق منه.
(5)
لم تكن له جنات وبساتين يأكل منها. كأنهم فهموا أن الرسالة تتنافى مع البشرية، وكيف يكون رسولا وهو يأكل ويتبرز، ويأتى النساء، ويمشى في الأسواق؟!!، وما علموا أن الرسول بشر أوحى إليه قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [سورة فصلت آية 6] .
إن تعجب فعجب هذا كيف ينكرون الرسالة لبشر من الناس ثم يعبدون حجرا لا يسمع ولا يبصر!!! فكأن الألوهية لا تتنافى مع الجماد والحجر.
أما طلبهم أن يكون معه ملك يؤيده في قوله فها هو ذا القرآن هو المعجزة الباقية الشاهدة على صدق الرسول فيما يدعيه عن ربه، وهو المؤيد له والمدافع عنه أما كونه ليس له كنز، وليس له جنة كأغنيائهم ورؤسائهم، فالله أعلم حيث يجعل رسالته! وليس الرسول نائبا عن الأغنياء والأثرياء، لكنه رسول الله إلى الناس، يهديهم ويقودهم إلى الخير في الدنيا والآخرة فمن تتوفر فيه صفات الرسالة هو الرسول.
وقال المشركون الظالمون: ما تتبعون إلا رجلا قد سحر عقله، وطاش فكره انظر يا محمد: كيف ضربوا لك الأمثال؟ ووصفوك بهذه الصفات فقالوا: كاذب، أو ساحر، أو مجنون، أو هو رجل يمشى في الأسواق، أو يأكل الطعام.. إلخ ما ذكروه هنا، كل ذلك لينالوا منك، وينفروا الناس عنك، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون، وانظر إليهم فقد ضلوا عن سواء السبيل إذ الطعن عليك إنما يتوجه إلى معجزتك أو عملك أو خلقك لا إلى هذه الأشياء التي ذكروها، وهم لا يستطيعون سبيلا إلى إطفاء نور الله، وعدم تأييد رسول الله أبدا.