الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا بيان عملي، وتفسير لقوله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ولا شك أن العدل والإحسان- ب
المعنى
العام- ووحدة القلوب بإعطاء ذي القربى، والبعد عن الفحشاء والمنكر من جميع الأفراد، والتباعد عن البغي والظلم، والوفاء بالعهد، وعدم نقض المعاهدات كل ذلك: دعائم لإخراج مجتمع إسلامى نظيف، مجتمع قوى عزيز، مجتمع كان أمل الفلاسفة والمصلحين، وفي هذا رد على من يفهم الدين على أنه عبادة فقط أنه دين لا دولة أو أنه لا يصلح لكل زمان..
المعنى:
إن الله يأمر فيما أنزله عليك يا محمد بالعدل والإنصاف والتوسط بلا إفراط ولا تفريط، أليست كلمة العدل مع وجازتها قد جمعت كل حق وعدل وفضل وواجب في الدين والدنيا.
ويأمر بالإحسان والإتمام والكمال، وعبادة الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. يا سبحان الله تربية إلهية، وتأديب رباني وغرس المراقبة لله في القلوب، وهذا خير للناس عظيم.
وبإيتاء ذي القرى
…
والعطاء مطلقا شيء ندبه الدين وحببه إلينا خصوصا مع الأقارب فهو يثل السخائم، ويجمع القلوب، وينزع الضغائن ويظهرنا صفا واحدا كالبنيان المرصوص، والقريب له أمل خاص فإن لم تعطه مع حاجته كان شرا عليك.
وينهى عن الفحشاء، والفحش كل ما فيه تجاوز لحدود الله المحدودة ومعالمه المرسومة فمن تجاوزها هلك، وباء بالخسران المبين.
أما المنكر فهو ما أنكره العقل السليم والطبع المستقيم والدين الحنيف فكيف تأتيه، وفيه بلاء عظيم وخطر جسيم؟! يعظكم ربكم بهذا رجاء أن تتذكروا وتثوبوا إلى رشدكم، وترجعوا عن غيكم.
إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون.
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، وعهد الله عام شامل جامع لكل عهد بينك وبين ربك أو بينك وبين نفسك أو بينك وبين غيرك
كل ذلك عهد الله إن عهده كان مسئولا، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وتأكدها وليس النهى خاصا باليمين المؤكدة. بل كل يمين وإنما المؤكدة إثمها أعظم وهذا التعظيم مخصوص بما
ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الّذى هو خير وليكفّر عن يمينه» .
وكيف تنقضونها؟ وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، وشاهدا وحفيظا، وإن الله يعلم ما تفعلون.
ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض فقال:
ولا تكونوا فيما تفعلون من النقض كالتي نقضت وأفسدت ما غزلته من بعد قوة وإحكام وعمل وإجهاد، نقضته أنكاثا ونقضا شديدا، بل ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلا وفسادا بسبب أن تكون أمة هي أربى وأزيد من جماعة أخرى.
والمعنى لا تتخذوا الأيمان دخلا وخديعة للناس بسبب أن تكون جماعة أقوى من جماعة فتنقضوا اليمين لمصلحة تافهة حقيرة.
إنما يبلوكم الله بهذا، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ومن بلائه للناس أن جعلهم مختلفين ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة لا اختلاف فيها أبدا، ولكن لحكمة هو يعلمها يضل من يشاء ممن رأى في سابق علمه أنه لو ترك ونفسه لما فعل إلا الضلال والبهتان، ويهدى من يشاء ممن اطلع عليه في سابق الأزل فرآه يميل إلى الخير ولو ترك وشأنه لما فعل إلا الخير.
ولتسألن عما كنتم تعملون، وأما ربك فلا يسأل عما يفعل- سبحانه وتعالى، ويظهر والله أعلم أن القرآن أعاد النهى عن اتخاذ الأيمان دخلا لأنها أيمان خاصة في البيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم بدليل المبالغة في قوله فتزل قدم بعد ثبوتها، ولا تتخذوا أيمانكم فسادا وخديعة بينكم ثم تنقضوها فتزل قدم بعد ثبوتها ورسوخها، وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم وبلاء كثير كمن تزل قدمه فيقع في الخطر، وتذوقوا العذاب السيئ الشديد بما صددتم عن سبيل الله فإن الذي يبايع ويدخل في الدين ثم يخرج منه كان دخوله وخروجه مشجعا لغيره وداعيا للفساد ومزلزلا لعقائد العامة، ولكم عند ذلك عذاب عظيم.