الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قبيح أعمالهم [سورة الفرقان (25) : الآيات 41 الى 44]
وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَاّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)
يا عجبا لهؤلاء! لم يكتفوا بتكذيبهم لرسول الله الصادق الأمين، وإنما جعلوه موضع استهزائهم، يستهزئون به ويتندرون عليه، وأيم الله إن هذا منهم لعجيب فلم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم في شكله العام أو تصرفاته الخاصة يصح أن يكون موضع استهزاء، على أن الآيات والحجج التي ظهرت على يد الرسول تمنع من ذلك، بل هم الذين يستحقون الاستهزاء بهم حيث تركوا عبادة الواحد القهار إلى عبادة الأصنام والأحجار!! وإذ رأوك- ما يتخذونك إلا هزوا- يقولون: أهذا الذي بعث الله رسولا؟
والاستفهام هنا للتحقير والاستهزاء، ولعل منشأ ذلك أنه ليس غنيا من أغنياء القوم.
والعجب منهم كيف يستهزئون به ثم ينسبون له في الوقت نفسه العمل الجليل والأثر الخطير حيث يقولون: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها فهو قوى الحجة شديد التأثير يكاد يصرفنا عن عبادة الآلهة، لولا أن حبسنا أنفسنا على عبادتها وتعظيمها، وهذا يدل على جد الرسول واجتهاده في تبليغ دعوته، وعلى مقدار تمسكهم بالباطل، وقد رد الله عليهم بأمور ثلاثة:
(أ) وسوف يعلمون حين يرون العذاب يوم القيامة من هو أضل سبيلا؟ من هو أقوم طريقا؟ أمحمد وصحبه أم كفار مكة ومن على شاكلتهم؟.
(ب) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ والمعنى. تعجب يا محمد من جهل هؤلاء الذين اتخذوا آلهتهم هواهم، فهم لم يتخذوا لأنفسهم آلهة إلا هواهم، وانظر إلى قول سعيد بن جبير: كان الرجل من المشركين يعبد الصنم فإذا رأى أحسن منه رماه، واتخذ الآخر وعبده. وهذا يدل على أنه لم يكن لهم حجة في عبادة الأصنام إلا اتباع الهوى وتقليد الآباء! أما الحجة والنظر السليم فهم بعيدون عنها كل البعد.
وقيل المعنى: إن هؤلاء كانوا عبيدا لهواهم. وكان هو الحكم في كل شيء بلا عقل ولا عقيدة ولا نظر
…
أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ولست عليه بمسيطر ولن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، ما عليك إلا البلاغ فقط.
(ج) وهذا هو الرد الثالث عليهم أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وأم بمعنى بل، وهي تفيد الإضراب عما مضى كأن هذا هو الرد فقط، نعم لا تظن أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون وقد نفى عن أكثرهم السماع والعقل- وهذا حكم عدل إذ كل مجموعة فيها الحسن والقبيح- ونفى السماع والعقل هنا يدلنا على أن المراد بهما السماع والعقل الروحيان الذي يكون القلب موضعهما أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها فليس المراد السماع والعقل الحسى فالكفار يسمعون بلا شك ويعقلون بلا شك، وإنما الروح التي هي من الله، والتي هي القوة الدافعة إلى الخير والمحاربة للنفس المادية والشيطان، تلك الروح لها حواس موضعها القلب، ومن أضله الله وأعمى بصره القلبي وسمعه وعقله وختم عليهما، لا يكون له سمع يسمع الحق ويهتدى به. ولا يكون له بصر يبصر الطريق المستقيم ويسير عليه، وهذا بلا شك لا يعقل ولا ينظر ولا يتذكر إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.
ما هؤلاء الكفار إلا كالأنعام في أن لهم سمعا وبصرا حسيين، وليس لهم إدراك وإحساس روحي، بل هم أضل، لأن البهائم لم تكلف ولم تعص خالقها، وأما هؤلاء فقوم عندهم الاستعداد لإدراك الخير، والقوة لمعرفة الحق، ولكنهم قوم ضلوا وأضلوا، ولهم النار وبئس القرار
…